للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقد سَأَلَ الرَّشِيدُ (١) الأوزاعيَّ (٢) رحمهما الله عن لُبْسِ السَّواد، فقال:

"إنِّي لا أُحَرِّمُه؛ ولكن أكرهه"، قال: "ولِمَ؟ ".

قال: "لأنه لا تُحلَّى (٣) فيه عروسٌ، ولا يُلبِّي فيه مُحْرِمٌ، ولا يُكفَّن فيه ميِّتٌ" (٤).

ثمَّ التفت الرَّشيد إلى أبي نُوَاسٍ (٥) وقال: "فما تقولُ أنتَ في السَّواد؟ ".


(١) هو أبو جعفر، هارون بن محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي. ولد سنة (١٤٩ هـ)، وبُويع له بالخلافة بعد أخيه الهادي سنة (١٧٠ هـ). كان من أهل العلم، متضلِّعًا من الأدب، يُجيد الشعر. مات بطوس من بلاد خراسان عام (١٩٣ هـ)، وهو ابن أربع وأربعين سنة، ودفن بها. "الجوهر الثمين" (١/ ١٢٥ - ١٣٠)، "تاريخ الخلفاء" (ص ٢٤٩ - ٢٦١).
(٢) هو عبد الرَّحمن بن عمرو بن محمد الأوزاعي، أبو عمرو، نسبةً إلى الأوزاع بطن من حمير، وهو من أنفسهم، وقيل من غيرهم. ولد ببعلبك، ونشأ بالقاع يتيمًا في حجر أمِّه. كان إمامًا، ثقة، عابدًا، فصيحًا. أدرك خلقًا من التابعين، ومات سنة (١٥٧ هـ) في خلافة أبي جعفر المنصور. "سير أعلام النبلاء" (٧/ ١٠٧ - ١٣٤)، و"البداية والنهاية" (١٠/ ١١٨).
(٣) كذا بالأصل، وفي (م)، و (ز)، و (ك)، و (ل)، و (هـ): تُجَلَّى؛ بالجيم.
(٤) هذا وَهمٌ من المصنِّف رحمه الله تعالى، فإنَّ القصة المذكورة وقعت بين الخليفة أبي جعفر المنصور والإِمام الأوزاعيِّ، وليس بين الرشيد والثاني، وذلك لأمور:
الأول: أن الإِمام الأوزاعيَّ لم يُدرك خلافة هارون الرشيد قطعًا؛ فإنَّ وفاته كانت سنة (١٥٧ هـ) في خلافة المنصور، والرشيد لم يُبايع له بالخلافة إلَّا سنة (١٧٠ هـ)، فكيف يكون ذلك اللقاء؟ !
الثاني: أن ولادة هارون الرشيد كانت سنة (١٤٩ هـ) في خلافة المنصور، فعلى هذا يكون اللقاء قد حصل بينهما وعمر الخليفة الرشيد آنذاك ثمان سنين؛ وهذا مستبعدٌ جدًّا!
الثالث: أن الحافظيْن الذَّهبيَّ وابنَ كثير ذكرا هذه القصة، وأنها وقعت للأوزاعي مع المنصور، فقد دخل على المنصور ووعظه، فأحبَّه المنصور وعظَّمه، ولما أراد الإنصراف استعفى من لُبْس السَّواد، فأجابه المنصور وأذِنَ له. فلما خرج، قال المنصور للربيع: الحقه فاسأله لِمَ كره السَّواد؟ ولا تُعْلِمْه أني قلتُ لك. فسأله الربيع فقال: لأني لم أرَ مُحْرمًا أحرم فيه، ولا ميِّتًا كُفِّن فيه، ولا عروسًا جُلِّيتْ فيه؛ فلهذا أكرهه. انظر: "سير أعلام النبلاء" (٧/ ١٢٦)، و"البداية والنهاية" (١٠/ ١٢٢).
وأما بقيّة الخبر فصحيح؛ فإنَّ أبا نُواس ممن أدرك الرشيد ودخل عليه، وممن مدحه وأثنى عليه. ولعلَّ المصنِّف أدخل هذه في هذه؛ والله أعلم.
(٥) هو رئيس الشعراء، أبو علي الحسن بن هانئ الحكمي، وقيل: ابن وهب. ولد بالأهواز، ونشأ =

<<  <  ج: ص:  >  >>