وهذا إسناد منقطع؛ فإنَّ زيد بن أسلم من التابعين. • وفي الحديث علَّةٌ أخرى؛ وهي نكارة المتن: فمَنْ هذا الرجل الذي يجلس في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُحدِّث الناسَ -الصَّحابة بالطبع-، ويلتفُّون حوله، ويأخذون عنه! ويمرُّ -صلى الله عليه وسلم- ولا يعرفه! لا شكَّ أن ذلك مِنْ أبعدِ ما يكون! ! وهو في الوقت نَفْسِهِ معارضٌ للأحاديث الصَّحيحة في هذا الباب. وبهذا نصل إلى أنَّ جميع طرق هذا الحديث لا يصحُّ منها شيء، وأنَّ في متنه نكارةً، يَلْمَسُها مَنْ له أدنى معرفة بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فالحديثُ غيرُ ثابتٍ كما قال المؤلف. قلتُ: وقد توسَّع ابن حزم الظاهري -رحمه الله تعالى- في رَدِّ هذا الحديث وبطلانه في كتابه "جمهرة أنساب العرب" (ص ٣ - ٥)، وأيَّد القول ببطلانه ببرهانين ذكَرَهُما: أولهما: أن الحديث لا يصحُّ من جهة النقل أصلًا. وقد بيَّنت ذلك جليًّا بحمد الله. ثانيهما: أن البرهان قد قام -خصوصًا بعد ذكر فوائده الشرعية- على أنَّ علم النَّسب علم ينفع، وجهل يضرُّ في الدُّنيا والآخرة. ثم ساق -رحمه الله- الأدلة الثابتة على أنَّ علم النَّسب علم ينفع، وجهالة تضرُّ، ولذا كان واجبًا على العبد أن يعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- هو ابن عبد الله الهاشمي، ومن زعم أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن هاشميًّا فهو كافر. ثم ذكر أدلةً تثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتكلَّم في النَّسب؛ فمن ذلك: ١ - ما قصَّه الله تعالى علينا في القرآن من ولادات كثير من الأنبياء عليهم السَّلام؛ وهذا علم نسب. ٢ - قوله -صلى الله عليه وسلم-: "نحن بنو النَّضر بن كنانة" - "ابن ماجه" (٢٦١٢)، وأحمد (٥/ ٢١١، ٢١٢). ٣ - أن النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- ذكر أفخاذ الأنصار وفاضل بينهم، فقدَّم بني النَّجار، ثم بني عبد الأشهل، ثم بني الحارث بن الخزرج، نم بني ساعدة؛ ثم قال عليه الصَّلاة والسَّلام: "وفي كلِّ دور الأنصار خير" - "البخاري" (١٤٨٢، ٣٧٩١ - فتح)، و"مسلم" (٢٥١١). وانظر ما ذكره الحافظ الهيثمي من الأحاديث في "مجمع الزوائد" (١/ ١٩٢) تحت: باب في علم النَّسب. مما يدلّ على أن علم النَّسب علم ينفع، وجهل قد يضرّ، وأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ممن كان يتكلَّم في النسب. وأخيرًا أختم الكلام بقول أبي محمد الرُّشاطيِّ -رحمه الله تعالى- إذ يقول: "الحضُّ على معرفة الأنساب ثابتٌ بالكتاب والسُّنَّة وإجماع الأُمَّة". انظر: "عمدة القارئ" (١٦/ ٦٩). (١) هذا ظاهر البطلان أيضًا، فقد سبق -قريبًا- قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "تعلَّموا أنسابكم ثم صلوا أرحامكم"، بل ما فرض عمر بن الخطاب رضي الله عنه الديوان إلَّا على القبائل، ولولا علْمُهُ بالنَّسب لما أمكنه ذلك. انظر: "جمهرة أنساب العرب" (ص ٥)، و"فتح الباري" (٦/ ٥٢٧).