لإِثْبَات التلصص بِإِقْرَار وَلَا مُعَاينَة، بل بِمُجَرَّد كَونهم مِمَّن يشار إِلَيْهِم بِالتَّعَدِّي، وَالظُّلم يُوجب إغرامهم للْمصْلحَة الْمَذْكُورَة كَمَا مر عَن الرعيني وَغَيره. وَكَلَام ابْن رحال فِي شَرحه صَرِيح فِي أَن الْعَمَل بِهِ وَعَلِيهِ، فَمَا قَالَه سَيِّدي مُحَمَّد بن قَاسم فِي شرح الْعَمَل الْمَذْكُور من أَنه لَا بُد من ثُبُوت التلصص بِالْإِقْرَارِ أَو المعاينة كَمَا فِي مَسْأَلَة الصرة الْآتِيَة لَا يعول عَلَيْهِ وَلَا يلْتَفت إِلَى شَيْء مِنْهُ لمُخَالفَته لما نقل عَن الرعيني وَغَيره شَاهدا لنظم الْعَمَل الْمَذْكُور. وَمَا نَقله عَن أبي الْحسن الزرويلي وَابْن هِلَال من أَن مَا للرعيني خلاف الْأُصُول الخ. لَا يقْدَح فِي الْعَمَل الْمَذْكُور لِأَن مَا قَالَه من مُخَالفَته لِلْأُصُولِ إِنَّمَا هُوَ إِذا روعي الْمَشْهُور، وهم قد قَالُوا: إِن هَذَا الْعَمَل مُخَالف للمشهور فهم معترفون بمخالفته لِلْأُصُولِ، وَإِنَّمَا ارتكبوه للْمصْلحَة من عدم ضيَاع الْحُقُوق، وَذَلِكَ أَن الأَصْل عدم التَّعَدِّي وَالظُّلم، لَكِن لما كثر كل مِنْهُمَا فِي هَذَا الزَّمَان وَغلب أجروا الْأَحْكَام على مُقْتَضَاهُ، وحملوا النَّاس عَلَيْهِ لِئَلَّا تضيع الْحُقُوق لِأَن الأَصْل وَالْغَالِب إِذا تَعَارضا فَالْحكم للْغَالِب لقَوْله تَعَالَى: وَأمر بِالْعرْفِ} (الْأَعْرَاف: ١٩٩) أَي احكم بِهِ. وَلذَا قَالَ أَبُو الْحسن فِي أجوبته فِي مَسْأَلَة من رفع شخصا لحَاكم جَائِر فأغرمه مَا لَا يجب عَلَيْهِ بعد أَن حكى فِيهَا قَوْلَيْنِ مَا نَصه: وَهَذَا وَقد كَانَ الْحَاكِم يحكم بِحَق تَارَة وبباطل أُخْرَى، وَأما الْآن فالحاكم لَا يحكم إِلَّا بِالْبَاطِلِ، فَلَا يَنْبَغِي أَن يخْتَلف فِي أَنه يغرم مَا خسره اه. وَسلمهُ ابْن هِلَال فِي الدّرّ النثير فَأَنت ترَاهُ حمل الْحُكَّام على الظُّلم والتعدي حَيْثُ غلب مِنْهُم ذَلِك، وَأوجب على الشاكي الغرامة بِمُجَرَّد قَول الْمُدَّعِي إِن الْحَاكِم قبض مني وَقدر الْمَقْبُوض كَذَا، وَإِن كَانَ الأَصْل عدم العداء وَنَحْوه يَأْتِي عَن سَيِّدي مِصْبَاح فِي التَّنْبِيه الرَّابِع حَيْثُ قَالَ: إِذا تقرر الْعرف فِي وُلَاة الظُّلم وأجنادهم بغرم المَال مِمَّن أَخَذُوهُ ظلما كَانَ القَوْل للمأخوذ مِنْهُ فِيمَا غرم من المَال لِأَن الْعرف شَاهد لمدعيه وَيقوم مقَام الشَّاهِد النَّاطِق الخ. وَيَأْتِي نَحوه فِي التَّنْبِيه الْخَامِس الخ. وقبائل الزَّمَان ومردة حواضرهم كَذَلِك لما كثر مِنْهُم العداء وَغلب كَانَ القَوْل للمنهوب وَالْمَغْصُوب أَنه غصبه، وَإِن قدر الْمَغْصُوب كَذَا كَمَا رَأَيْته فِيمَا يشبه أَن يملكهُ فَقَط كَمَا قَالُوهُ فِي منتهب الصرة الْآتِيَة. وَإِذا علمت هَذَا فَمَا جرى بِهِ الْعَمَل لَهُ مُسْتَند صَحِيح لَا يخْتَلف فِيهِ اثْنَان، وَله أصل أصيل فِي الشَّرِيعَة، وَهَذَا الْعَمَل حدث بعد زمَان أبي الْحسن وَابْن هِلَال كَمَا تقدم. وَلَو كَانَت الْقَبَائِل وَالنَّاس فِي زمانهما على مَا هم عَلَيْهِ فِي وَقت جَرَيَان الْعَمَل الْمَذْكُور مَا وسعهما أَن يَقُولَا بمخالفته لِلْأُصُولِ لاعترافهما بِأَن الحكم للْغَالِب كَمَا رَأَيْته، وَإِنَّمَا أطلنا الْكَلَام فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لأجل استبعاد كثير من الإخوان مَا جرى بِهِ الْعَمَل لضعف مُسْتَنده عِنْدهم، وَحَمَلُوهُ على خُصُوص مَسْأَلَة الصرة الْمَذْكُورَة فِي الْعُتْبِيَّة وَهِي أَن رجلا اخْتَطَف صرة بمعاينة الْبَيِّنَة وَغَابَ عَلَيْهَا وَلم يعرف قدر مَا فِيهَا، فَالْمَشْهُور أَن القَوْل للْغَاصِب فِي قدرهَا وَقَالَ مَالك ومطرف: إِن القَوْل للمنهوب فِي قدرهَا، وَلَكِن لَيست مَخْصُوصَة بِالْعَمَلِ الْمُتَقَدّم خلافًا للرهوني فِي حَاشِيَته، وَتَخْصِيص الْعَمَل بهَا بعيد من الأنقال الْمُتَقَدّمَة بِدَلِيل تَعْلِيلهم بِالْمَصْلَحَةِ الْعَامَّة، وَلَكِن يجْرِي الْعَمَل الْمَذْكُور فِيهَا بالأحرى. الثَّانِي: إِذا ثَبت التلصص أَو علم من عَادَة الْقَبَائِل كَمَا هُوَ مَوْجُود فِي قبائل الزَّمَان الْآن، فَإِن اللص وَالسَّارِق إِذا ظفر الْحَاكِم بهما أغرمهما كَمَا مرّ، وَإِذا لم يظفر بهما وَإِنَّمَا ظفر بِبَعْض قرابتهما أَو بعض من يحميهما من قبيلتهما وَلَو بجاهه فَإِنَّهُ يغرمه مَا أَخذه اللص أَو السَّارِق أَو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute