للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

يظْهر من أُمُور خَارِجَة عَمَّا ذكر من ظُهُور برهَان لمن تعدى على زَاوِيَة أَو رَوْضَة فَذَلِك أَمر خَارج عَن الْفَتْوَى بِهِ، وغيرلا من الله على أوليائه لَا تحد بِقِيَاس وَلَا تنضبط بميزان شَرْعِي وَلَا قانون عادي، فَإِن الموازين الشَّرْعِيَّة كليات وعمومات، وَقد يكون مُرَاد الْحق سُبْحَانَهُ فِي خُصُوص نازلة خلاف مَا تَقْتَضِيه العمومات، وَلذَلِك الْخَواص يفتقرون إِلَى إِذن خَاص فِي كل نازلة وَاعْتبر بتكرار قَوْله تَعَالَى: بإذني} (الْمَائِدَة: ١١٠) فِيمَا أخبر بِهِ عَن عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام من إبرائه الأكمه والأبرص وإحياء الْمَوْتَى وَغير ذَلِك انْتهى. قلت: قَوْله: فَذَلِك أَمر خَارج عَن الْفَتْوَى الخ رُبمَا يتَوَهَّم قَاصِر الْفَهم أَنه يُرَاعِي حرم الزاوية وَالرَّوْضَة لما يخْشَى من الْبُرْهَان كَمَا عَلَيْهِ الْعَامَّة الْآن قولا وفعلاً، وَهَذَا لَا يَقُوله أحد من الْأَئِمَّة وَلَا من أَصْحَابهم وَلَا من أهل السّنة، إِذْ لَا حرم لغير مَكَّة وَالْمَدينَة شرعا، وَغَايَة مَا ذكره الفاسي أَن الله تَعَالَى قد أَمر بِإِقَامَة الْحُدُود على كل من فعل موجباتها، وَكَون الله سُبْحَانَهُ ينْتَقم مِمَّن أخرجه من زَاوِيَة أَو رَوْضَة لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ أَمر خَارج عَن الْفَتْوَى بِهِ، لِأَن ذَلِك الْحَد والإخراج مِمَّا أَمر الله تَعَالَى بِهِ، وَقد يُرِيد خِلَافه فِي خُصُوص زيد الْجَانِي وَنَحْو ذَلِك، وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد يَأْمر بالشَّيْء وَيُرِيد خِلَافه كَمَا أَمر بِإِيمَان الْكَفَرَة وَأَرَادَ مِنْهُم خِلَافه، وَهَذَا مِنْهُ رُبمَا يدل على أَن المصائب الَّتِي تنزل بمخرجهم من الزوايا انتقام من الله لَهُم على إخراجهم مِنْهَا وَلَيْسَ كَذَلِك، بل الْجَانِي الْمُحْتَرَم بالزاوية أَو الرَّوْضَة يجب إِخْرَاجه لإِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ إِجْمَاعًا امتثالاً لأمر الله تَعَالَى، والمصيبة الَّتِي تنزل بمخرجه إِن وَقعت إِنَّمَا هِيَ اتفاقية مَكْتُوبَة عَلَيْهِ لقَوْله تَعَالَى: مَا أصَاب من مُصِيبَة فِي الأَرْض وَلَا فِي أَنفسكُم إِلَّا فِي كتاب من قبل أَن نبرأها} (الْحَدِيد: ٢٢) أَي نخلفها وَلَيْسَت انتقاماً على الْإِخْرَاج لكَون الله أَرَادَ خِلَافه. أَلا ترى أَن الله سُبْحَانَهُ أوجب قتال الْكفَّار وَأمر بِهِ، والمصائب الَّتِي تنزل بهم عِنْد قِتَالهمْ من هزيمَة وَنَحْوهَا مَكْتُوبَة عَلَيْهِم لِأَن الله انتقم مِنْهُم لإرادته خلاف قِتَالهمْ أَو غيرَة عَلَيْهِم، بل ذَلِك مَكْتُوب عَلَيْهِم فِي أزله سُبْحَانَهُ ليعظم بذلك أُجُورهم وَيكثر بِهِ ثوابهم، فَكَذَلِك الْجَانِي فالمصيبة وَإِن وَقعت بأثر إِخْرَاجه إِنَّمَا هِيَ أَمر اتفاقي مَكْتُوب عَلَيْهِ نُزُولهَا بِهِ فِي ذَلِك الْوَقْت لَا بُد من وُقُوعهَا بِهِ أخرجه أَو لم يُخرجهُ ليعظم بهَا أجره وَيكثر بهَا ثَوَابه إِن صَبر واحتسب. وَقَالَ: إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُون كَمَا فِي الْآيَة. قَالَ تَعَالَى: قل لَو كُنْتُم فِي بُيُوتكُمْ لبرز الَّذين كتب عَلَيْهِم الْقَتْل إِلَى مضاجعهم} (آل عمرَان: ١٥٤) وَذَلِكَ كُله امتحان واختبار للْعَبد هَل يصبر على المصائب حَتَّى يُؤَدِّي مَا أَمر بِهِ سُبْحَانَهُ أَو يرجع عَن ذَلِك وَلَا يصبر. قَالَ تَعَالَى: ليميز الله الْخَبيث من الطّيب} (الْأَنْفَال: ٣٧) وَقَالَ: أَحسب النَّاس أَن يتْركُوا أَن يَقُولُوا آمنا وهم لَا يفتنون} (العنكبوت: ٢) وَقَوله: وغيرة من الله على أوليائه الخ. يُقَال لَهُ من لنا بِأَنَّهَا غيرَة من الله بل الْغيرَة من الله إِنَّمَا وَردت بارتكاب مَمْنُوع لَا بارتكاب وَاجِب، فَوَجَبَ أَن يكون أمرا اتفاقياً إِذْ الْمُؤمن لَا يَخْلُو من مصائب، وَقد تكون تِلْكَ المصائب من التواني فِي الِامْتِثَال أَو من اكْتِسَاب مَمْنُوع تقدم، وَلَو كَانَ ذَلِك غيرَة لَكَانَ نزُول المصائب بالكفار أولى حَيْثُ يمتهنونهم فِي الْأَرَاضِي الَّتِي دخلوها، وبمن يفعل الْفَوَاحِش ويسفك الدِّمَاء فِي أضرحتهم وزواياهم كَذَلِك، وَكم من فَاعل ذَلِك فِي أضرحتهم لم يصبهُ شَيْء، وَأَيْضًا لَو أقيم حد على شخص فَنزلت مُصِيبَة فِي الْحِين بمقيمه لوَجَبَ أَن يُقَال على هَذَا أَن ذَلِك غيرَة من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على الْمَحْدُود، وَذَلِكَ مِمَّا لَا معنى لَهُ بل الْوَلِيّ لَو كَانَ حَيا لَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْمُبَادرَة

<<  <  ج: ص:  >  >>