رشد. وَقيل: إِن كَانَت الصَّدَقَة بيد الْمُتَصَدّق عَلَيْهِ وَقت الدَّعْوَى قدمت بَيِّنَة الْحِيَازَة وإلَاّ فَلَا. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَا يَنْبَغِي إِطْلَاق القَوْل بِتَقْدِيم الْإِثْبَات على النَّفْي فِي جَمِيع الصُّور بل يخْتَلف فِي ذَلِك باخْتلَاف الجزئيات كَمَا مرّ، وَمهما أطلقت إِحْدَاهمَا وقيدت الْأُخْرَى بِوَقْت معِين فَلَا تعَارض، وَمهما قيدتا بِوَقْت وَاحِد جَاءَ الْخلاف وَوَجهه فِي الْحِيَازَة إِن كلاًّ مِنْهُمَا شهِدت بانفراد شخص معِين بِالتَّصَرُّفِ فِي وَقت معِين، وَكَذَا فِي الْقَتْل لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا أَثْبَتَت أَنه كَانَ بِبَلَد كَذَا وَقت كَذَا مشتغلاً فِيهِ بِالصَّلَاةِ مثلا وَالْأُخْرَى بالشرب أَو بِالْقَتْلِ أَو بِالزِّنَا أَو بِالسَّرقَةِ. وَكَذَا فِي التجريح لِأَن كلاًّ مِنْهُمَا شهِدت بِأَنَّهُ بَات لَيْلَة كَذَا معتكفاً على شرب الْخمر، وَالْأُخْرَى على الطّواف أَو الصَّلَاة فِي تِلْكَ اللَّيْلَة. وَفِي الْوَصِيَّة شهِدت إِحْدَاهمَا باختلاط عقله وَالْأُخْرَى بِصِحَّتِهِ، وَلَيْسَ المُرَاد بالنافية الَّتِي لفظت بِحرف النَّفْي فِي شهادتها لِأَن ذَلِك يَقْتَضِي أَنَّهَا إِذا شهِدت إِحْدَاهمَا باختلاط الْعقل وَالْأُخْرَى أَنه لم يكن مختلط الْعقل قدمت بَيِّنَة الِاخْتِلَاط وَذَلِكَ خلاف الْوَاقِع، وَأما الثَّالِث وَهُوَ التَّرْجِيح بالإصالة فَمِنْهَا بينتا الصِّحَّة وَالْفساد فَبَيِّنَة الصِّحَّة أعمل لِأَنَّهَا الأَصْل مَا لم يغلب الْفساد وإلَاّ فَتقدم بَينته، وَقد يُقَال: إنَّهُمَا فِي مثل هَذَا لما تَعَارَضَتَا سقطتا وَبَقِي القَوْل لمُدعِي الصِّحَّة، وَهَهُنَا بينتا التسفيه والترشيد فَبَيِّنَة السَّفه أعمل خلافًا لما فِي ابْن سَلمُون، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لإطلاقه من الْحجر، وَأما بِالنِّسْبَةِ للْمَبِيع وَنَحْوه من الْمُعَامَلَات فَتقدم بَيِّنَة الترشيد لِأَنَّهَا أوجبت صِحَة العقد كَمَا يَأْتِي فِي اخْتِلَاف الْمُتَبَايعين وَمِنْهَا بينتا التَّعْدِيل وَالتَّجْرِيح فَبَيِّنَة التجريح أعمل مَا لم يتعارضا فِي وَقت خَاص كَمَا مر وَمِنْهَا بينتا الرّقية وَالْحريَّة فالحرية أعمل لِأَنَّهَا الأَصْل، وَمِنْهَا بينتا الْبلُوغ والكفاءة فبينتهما أعمل لِأَنَّهُمَا يوجبان صِحَة العقد الَّذِي هُوَ الأَصْل، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار صَحَّ عدهما من هَذَا الْقسم وَإِلَّا فهما من الْقسم الَّذِي قبله كَمَا مرّ وَإِنَّمَا أدخلناهما فِي هَذَا تبعا للْغَيْر وَمِنْهَا بينتا الصِّحَّة وَالْمَرَض فَبَيِّنَة الصِّحَّة أعمل كَمَا فِي أنكحة المعيار عَن اليزناسي لِأَنَّهَا الأَصْل وَمحل ذَلِك إِن قَالَت بَيِّنَة الْمَرَض لم يزل مَرِيضا فِي علمنَا فِي هَذَا الشَّهْر أَو فِي هَذَا الْيَوْم وَقَالَت: بَيِّنَة الصِّحَّة لم يزل صَحِيحا كَذَلِك وَلم يعلم تقدم إِحْدَاهمَا على الْأُخْرَى، وَأما إِن علم تقدم الصِّحَّة كَمَا لَو قَالَت: بَيِّنَة نعلمهُ صَحِيحا فِي أول رَمَضَان وَلم يزل كَذَلِك فِي علمنَا وَشهِدت الْأُخْرَى بِأَنَّهُ مرض فِي الْعَاشِر مِنْهُ فَتقدم بَيِّنَة الْمَرَض لِأَنَّهَا ناقلة، وَلَا سِيمَا إِن عينت سَبَب الْمَرَض مَا هُوَ لِأَن الْمَرَض وجود دَاء فِي الْإِنْسَان وَالصِّحَّة انتفاؤه وَإِن تقدم الْمَرَض على الصِّحَّة قدمت بَيِّنَة الصِّحَّة إِذا شهِدت بِصِحَّة تنَافِي ذَلِك الْمَرَض بِحَيْثُ لَا يجْتَمع مَعهَا كشهادتهم بتصرفه تصرف الأصحاء بِحمْل الأثقال وَنَحْوهَا لِأَن بَيِّنَة الصِّحَّة ناقلة حِينَئِذٍ قَالَه ابْن رحال فِي شَرحه. وَمِنْهَا بينتا الْعَدَم والملاء فَتقدم بَيِّنَة الملاء بيّنت أم لَا. على مَا بِهِ الْعَمَل، وَمِنْهَا بَيِّنَة الْمعرفَة والتعريف فَتقدم بَيِّنَة الْمعرفَة، وَمِنْهَا بينتا صِحَة الْعقل واختلاطه فِي الْوَصِيَّة فَتقدم بَيِّنَة الصِّحَّة لِأَنَّهَا أوجبت صِحَة العقد الَّتِي هِيَ الأَصْل وَإِنَّمَا أدخلنا مَسْأَلَة الْوَصِيَّة فِي الْقسم الَّذِي قبله نظرا للنَّفْي وَالْإِثْبَات وتبعاً للْغَيْر. وَفِي أقضية الْبُرْزُليّ أَنه ينظر فِي شَهَادَة الَّذين شهدُوا بذهوله فَإِن قَالُوا هم أَو غَيرهم مِمَّن يقبل أَنه كَانَ بِهِ الذهول فِي الْوَقْت الَّذِي شهد عَلَيْهِ الْأَولونَ فِي صِحَة عقله فَهِيَ أعمل لِأَن الذهول يخفى على قوم وَيظْهر لآخرين فَمن قطع بِعِلْمِهِ فَهُوَ أَحَق بِالْقبُولِ، وَإِذا لم يشْهدُوا على ذُهُوله فِي ذَلِك الْوَقْت فشهادة الصِّحَّة أعمل لأَنهم قطعُوا بعقله اه. فَانْظُرْهُ. وَمِنْهَا بينتا الطوع وَالْإِكْرَاه فَبَيِّنَة الْإِكْرَاه أعمل وَكَذَا كل ضَرَر وَهَذَا فِي الْحَقِيقَة
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute