للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الثَّانِي: ذكر الشار (ح) وَمن تبعه عِنْد قَوْله: وموقع الطَّلَاق دون نِيَّة. الخ أَن الْعَامَّة الْيَوْم لَا يعْرفُونَ الطَّلَاق الرَّجْعِيّ، وَعَلِيهِ فَإِذا قَالَ الْعَاميّ لزوجته: أَنْت طَالِق فَتبين مِنْهُ بذلك لِأَنَّهُ لَا يقْصد غير الْبَيْنُونَة، وَلَو سُئِلَ عَن ذَلِك لقَالَ: مَا قصدت إِلَّا أَن لَا تطالبني وَأَن لَا حكم لي عَلَيْهَا وَلذَلِك لَا تطالبه بِنَفَقَة الْعدة، وَإِذا طلبتها لَا يجيبها إِلَى ذَلِك لما فِي صميم عقله من أَنه لَا نَفَقَة لَهَا عَلَيْهِ، وَإِذا سَأَلته عَن حَقِيقَة الرَّجْعِيّ الْمُتَقَدّمَة فِي تَقْسِيم الطَّلَاق مَا عرفهَا والنفوس لَا تقصد مَا لم يتَقَدَّم لَهَا بِهِ أنس، وَعَلِيهِ فَلَا يصدق الْعَاميّ فِي إِرَادَته الرَّجْعِيّ مَعَ وجود الْعرف بقصدهم بِمُطلق الطَّلَاق الْبَيْنُونَة إِذْ الْحمل على الْعرف وَالْعَادَة وَاجِب كَمَا فِي أَلْفَاظ الْكِنَايَات لِأَنَّهُ إِنَّمَا لزم فِيهَا مَا ذكر لأجل الْعرف كَمَا يَأْتِي، وَتَأمل قَول الْمواق: طَلَاق الْخلْع هُوَ طَلَاق زمننا الخ. وَقد قَالُوا إِن الْأَحْكَام إِنَّمَا تترتب على عرف التخاطب أَعم من أَن يكون لغوياً أَو غَيره، وَهَذَا أَمر مَعْهُود فِي هَذَا الْبَاب وَمَا فِي حَاشِيَة ابْن رحال عِنْد قَوْله: وَفِي المملك خلاف الخ. وَقَالَهُ فِي الشَّرْح أَيْضا عِنْد قَول الْمَتْن فِي الْخلْع وَبَانَتْ وَلَو بِلَا عوض الخ. مِمَّا يَقْتَضِي خلاف مَا قَالَه الشَّارِح، وَمن تبعه لَا يعول عَلَيْهِ لِأَن الْكَلَام فِيمَا إِذا كَانَ جلّ الْعَامَّة لَا يعْرفُونَ إِلَّا الْبَائِن، وَإِذا كَانَ كَذَلِك فعرفهم حِينَئِذٍ هُوَ قصد الْبَيْنُونَة بِمُطلق الطَّلَاق أَي: فَتلْزمهُ وَإِن لم ينوها وَلَا تكون لَهُ رَجْعَة عَلَيْهَا وَلَا يصدق فِي إِرَادَته الرَّجْعِيّ وَهُوَ لَا يعرفهُ كَمَا لَو ظن أَن الْبَتَّةَ وَاحِدَة. وَقَالَ: أردتها فَإِنَّهُ لَا يصدق مَعَ كَون الْعرف عِنْدهم أَن الْبَتَّةَ ثَلَاث، وَقَول ابْن رشد: هَل الْحمل على اللَّفْظ أَو على مَا يعلم من قصد الْحَالِف وَهُوَ الْأَشْهر الْأَظْهر الخ. لَا شَاهد لَهُ فِيهِ لِأَن اللَّفْظ هُنَا لَا دلَالَة فِيهِ على الصّفة من كَونهَا بَائِنَة أَو رَجْعِيَّة، وَإِنَّمَا يعلم ذَلِك من قصد الْحَالِف وَإِن لم يقْصد شَيْئا فَيحمل على الْعرف، وَأَيْضًا فَإِن ابْن رشد لم يقل ذَلِك فِيمَا نَحن فِيهِ بل مَوْضُوعه فِي شَيْء آخر كَمَا يعلم بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ فِي كتاب الصَدَاق من ابْن عَرَفَة، وَاللَّفْظ هَهُنَا لَا يَقْتَضِيهِ بفحواه الْبَيْنُونَة وَلَا عدمهَا وعَلى تَسْلِيم اقتضائه الرّجْعَة، فَإِنَّمَا يقْصد النَّاس إِلَى أعرافهم فَقَوْل ابْن رشد وَهُوَ الْأَشْهر الخ. شَاهد لما ذَكرْنَاهُ، وَبِالْجُمْلَةِ فَإِذا قَالَ: أَنْت طَالِق للمدخول بهَا وَنوى بِهِ الْبَيْنُونَة لَزِمته لقَوْل الْمَتْن إِلَّا لنيّة أَكثر، وَلقَوْل ابْن عَرَفَة فَهُوَ مَا نوى الخ. وَإِن لم تكن لَهُ نِيَّة فَيحمل على الْعرف فَإِذا كَانَ عرفهم فِي مُطلق الطَّلَاق أَو شَيْء من تِلْكَ الْكِنَايَات الْبَيْنُونَة فَقَط عمل على ذَلِك، وَلَا فرق فِي ذَلِك كُله بَين قَوْله عَلَيْهِ الْيَمين أَو الْحَرَام أَو الْأَيْمَان اللَّازِمَة أَو هِيَ بتة أَو حبلها على غاربها وَغير ذَلِك من الْكِنَايَات وصفات الطَّلَاق من كَونه بَائِنا أَو رَجْعِيًا، فالحمل فِي ذَلِك كُله على الْعرف عِنْد فقد النِّيَّة لِأَن الْعرف من المخصصات بعد النِّيَّة كَمَا فِي الْمَتْن، وَلذَا قَالَ الْقَرَافِيّ فِي هَذِه الْأَلْفَاظ: من خلية وبرية وحبلك على غاربك أَو حرَام إِنَّمَا لزم فِيهَا مَا ذكر لعرف سَابق، وَأما الْآن فَلَا يحل للمفتي أَن يُفْتِي فِيهَا بِمَا ذكر إِلَّا لمن هِيَ عرفه الخ. وَنَقله الْمواق وَغَيره وَعَلِيهِ فَمن قَالَ عَلَيْهِ الْيَمين وَهُوَ لَا يعرف إِلَّا الطَّلَاق الْبَائِن وَعرف بَلَده ذَلِك لَزِمته طَلْقَة بَائِنَة وَلَا يُفْتِي بالرجعي لِأَنَّهُ لَا يعرفهُ، وَمن قَالَ بِلُزُوم الرَّجْعِيّ فِيهِ إِنَّمَا ذَلِك على عرف وقتهم، وَبِهَذَا كنت أُفْتِي النَّاس بلساني فِي هَذِه الْأَزْمِنَة وَلَو طلب مني الْكِتَابَة لكتبت لَهُ ذَلِك، وَكَانَ غَيْرِي لَا يساعدني. الثَّالِث: انْظُر هَل لَا عِبْرَة بِالظَّنِّ الْمُخَالف للْعُرْف فَإِذا ظن الْمُطلق أَن قَوْله: أَنْت طَالِق تقع بِهِ الْبَيْنُونَة وَالْعرْف بِخِلَاف ذَلِك فَإِنَّهَا لَا تقع عَلَيْهِ حَيْثُ لم ينوها عِنْد التَّلَفُّظ إِذْ الْعبْرَة بِالْعرْفِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>