وأن يقتصد في مشيه وينبغي أن يمنع أصحابه من المشي وراءه؛ فإن ذلك فتنة للمتبوع، وذِلّة للمتبع، وأن يبتدئ بالسلام لمن لقيه من المسلمين، وإذا دخل على أهل المجلس فلا يسلم عليهم حتى ينتهي إليهم، ويمنع من كان جالسًا من القيام له؛ فإن السكون إلى ذلك من آفات النفس، ويستحب له أن يصلي ركعتين قبل جلوسه، ويستحب جلوسه متربعًا مع كونه متخشعًا، ويستحب له أن يستعمل لطيف الخطاب، ويتحفظ في منطقه، ويتجنب المزاح مع أهل المجلس؛ فإنه يسقط الحشمة، ويقلل الهيبة. ويستحب له أن ينكر برفق دون الإغلاظ والحُذْق، إلى غير ذلك من الآداب.
وهذه الآداب وإن كانت غير متعلقة بما نحن بصدده؛ إلا أن فيها ما يدل على عظمة المحدثين واستيعابهم لجميع أحوال الراوي النفسية والجسدية والعقلية، فاستحقوا أن يكونوا أسبق العلماء في هذا الميدان، فرحمهم الله رحمة واسعة.
٢ - كراهة سرد الكلمات سردًا:
فقد نص الخطيب على كراهة سرد الحديث واستحباب التمهل فيه وساق في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يسرد الحديث سردكم (١).
ومن أجل وضوح الصوت وبيانه استحب المحدثون أن يجلس المحدث على منبر أو نحوه حتى يسمعه الحاضرون، وخاصة إذا كثروا.
قال الخطيب: إذا كثر عدد من يحضر للسماع، وكانوا بحيث لا يبلغهم صوت الراوي ولا يرونه استحب له أن يجلس على منبر أو غيره حتى يبدو للجماعة وجهه ويبلغهم صوته.
(١) أخرجه البخاري كتاب: المناقب، باب: صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - (٣٥٦٨)، ومسلم كتاب: فضائل الصحابة، باب: من فضائل أبي هريرة (٢٤٩٣).