وقد ذكر ابنُ القيمِ رحمه الله أن الربَّ تعالى يدعو عبادَه في القرآنِ إلى معرفَتِه من طريقينِ:
أحدهما: النظرُ في مفعولاتِه.
والثاني: التفكرُ في آياتِه وتدبرُها (١).
وقال رحمه الله: والنظرُ في هذه الآياتِ وأمثالِها نوعانِ: نظرٌ إليها بالبصرِ الظاهرِ، فَيَرى ـ مثلًا ـ زُرقةَ السماءِ ونجومَها وعلوَّها وسَعَتَها، وهذا نظرٌ يشاركُ الإنسانُ فيه غيرَه من الحيواناتِ، وليسَ هو المقصودُ بالأمرِ.
والثاني: أن يتجاوزَ هذا إلى النظرِ بالبصيرةِ الباطنةِ، فتفتحُ له أبوابُ السماءِ، فيجولُ في أقطارِها وملكوتِها وبين ملائِكَتِها.
ثم يفتحُ له بابٌ بعد بابٍ، حتى ينتهيَ به سَيْرُ القلبِ إلى عرشِ الرحمنِ، فينظرُ سَعَتَه وعظمتَهُ وجلالَهُ ومجدَهُ ورفعَتَهُ، ويرَى السمواتِ السبعَ والأرضينَ السبعَ بالنسبةِ إليهِ كحلقةٍ ملقاةٍ بأرضِ فلاةٍ. ويَرَى الملائكةَ حافِّينَ من حَوْلِه، لهم زَجَلٌ بالتسبيحِ والتحميدِ والتقديسِ والتكبيرِ، والأمرُ ينزلُ من فوقِه بتدبيرِ الممالكِ والجنودِ التي لا يعلَمُهَا إلا ربُّها ومليكُها. فينزلُ