للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمرُ بإحياءِ قومٍ وإماتةِ آخرينَ، وإعزازِ قومٍ وإذلالِ آخرينَ، وإسعادِ قومٍ وشقاوةِ آخرينَ، وإنشاءِ مُلْكٍ وسَلْب مُلْكٍ، وتحويلِ نعمةٍ من مَحَلٍّ إلى محلٍّ، وقضاءِ الحاجاتِ على اختلافِها وتباينِها وكثرتِها؛ من جبرِ كسيرٍ، وإغناءِ فقيرٍ، وشفاءِ مريضٍ، وتفريجِ كربٍ، ومغفرةِ ذنبٍ، وكشفِ ضرٍّ، ونصرِ مظلومٍ، وهدايةِ حيرانَ، وتعليمِ جاهلٍ، وردِّ آبقٍ، وأمانِ خائفٍ، وإجارةِ مستجيرٍ، ومددٍ لضعيفٍ، وإغاثةٍ لملهوفٍ وإعانةٍ لعاجزٍ، وانتقامٍ من ظالمٍ، وكفٍّ لعدوانٍ ... فحينئذٍ يقومُ القلبُ بين يديِ الرحمنِ مُطرِقًا لهيبتِه، خاشِعًا لعظمتِه، عانٍ لعزَّتِه، فيسجدُ بينَ يدَيِ الملكِ الحقِّ المبينِ سجدةً، لا يرفعُ رأسَهُ منها إلى يومِ المزيدِ (١).

٦ - تعظيمُ شعائرِ اللهِ وحرماتِه:

فإذا عظَّمَ العبدُ ما عظَّمَه اللهُ تبارك وتعالى، امْتَلَأَ قلبُه بالتعظيمِ لله والخشيةِ منه، كما قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢]، وكانَ من شدةِ تعظيمِ السلفِ لله ?، أنَّهم كانوا يبكُونَ إذا خُولِفَ أمرُ اللهِ سبحانه وتعالى من غيرِهم، فعن ربيعِ بن عتابٍ قال: كنتُ أمشِي مع زيادِ بن جريرٍ، فسَمِعَ رَجُلًا يحلِفُ بالأمانَةِ. قال: فنظرتُ إليه وهو يبكِي قلت: ما يبكِيكَ؟ فقال: أما سَمِعْتَ هذا يحلفُ بالأمانةِ؟ فَلَئَنْ تُحَكُّ أحشَائِي حتى تُدْمَى أَحَبُّ إليَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بالأمانةِ (٢).

وكان عمرُ بنُ ذرٍّ يقولُ: آنَسكَ جانبُ حِلْمِهِ فتوثَّبْتَ على معاصِيه!


(١) مفتاح دار السعادة (١/ ١٩٩).
(٢) الحلية (٤/ ١٩٦).

<<  <   >  >>