للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العبدُ وكلُّنَا لك عبدٌ، اللهمَّ لا مانعَ لما أعطيتَ، ولا معطيَ لما منعتَ، ولا ينفعُ ذا الجدِّ منك الجدُّ» (١).

أما الحجُّ فإنه كذلك من العباداتِ التي يَتَجَلَّى فيها تعظيمُ الربِّ جلَّ جلالُه في كلِّ منسكٍ من مناسكِهِ فإن هناك كثيرًا من أفعالِ الحجِّ غيرُ معقولةِ المعنى، غير أنَّ المعنى الذي يجمَعُها جميعًا هو الطاعةُ المطلقةُ والتعظيمُ المطلقُ للهِ تعالى، فالطوافُ يكونُ حولَ البيتِ الذي هو من الحجارةِ، والحجرُ الأسودُ يُقَبَّلُ مع كونِه حجرًا، ورَمْيُ الجِمارِ إنما هو حَجَرٌ يُرمى به حَجَرٌ، فما الذي جعلَ هذا الحجَرَ يُرْمَى وهذا الحَجَرَ يُقَبَّلُ وهذا الحَجَرُ يُطافُ حولَه سِوَى العبوديةِ المحضةِ والتعظيمِ الخالصِ للهِ تعالى!

وفي التلبيةِ التي هي شعارُ الحجِّ أعظمُ عباراتِ الثناءِ والتعظيمِ للهِ جل وعلا: «لبيك اللهُمَّ لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك والملكُ، لا شريكَ لك».

ذكر ابنُ القيمِ رَحِمَهُ اللهُ في معنى التلبيةِ كلامًا جميلًا نذكرُ منهُ ما يدلُّ على تعظيمِ الربِّ تعالى حيثُ ذكرَ من مَعَانيها: إجابةً لك بعدَ إجابةٍ، أو انقيادًا لك بعد انقيادٍ، أي انقدتُ لك، وَسَعَتْ نفسِي خاضعةً ذليلةً، أو حبًّا لك بعد حبٍّ، أو أخلَصْتُ لُبِّي وقَلْبِي لك، فهي شعارُ التوحيدِ ملةِ إبراهيمَ الذي هو روحُ الحجِّ ومقصدُه، بلْ روحُ العباداتِ كلِّها والمقصودُ منها، ولهذا كانت التلبيةُ مفتاحَ هذه العبادةِ التي يُدْخَلُ فيها بها.


(١) البخاري (١٥٤٩)، مسلم (١١٨٤)، أبو داود (١٧٤٧).

<<  <   >  >>