فصحتُ بالنفسِ: ويحكِ! اعبُرِي إلى البحرِ، وانظري إليه وإلى عجائِبِه بعينِ الفكْرِ، تُشاهدِي أهوالًا هي أعظمُ من هذه .. ثم اخرُجي عن الكونِ، والتفتي إليه، فإنكِ ترينَه بالإضافةِ إلى السمواتِ والأفلاكِ كذرَّةٍ في فلاةٍ ..
ثم جُولي في الأفلاكِ .. وطوفي حولَ العرشِ .. وتلمَّحِي ما في الجنانِ والنيرانِ .. ثم اخرُجِي عن الكلِّ والتَفِتِي إليه .. فإنكِ تشاهدينَ العالَمَ في قبضةِ القادرِ الذي لا تَقِفُ قدرَتُه عندَ حدٍّ .. ثم التفِتِي إليكِ .. فتلمَّحِي بدايتكِ ونهايتَكِ .. وتفكَّرِي فيما قبل البدايةِ وليس إلا العدمُ .. وفيما بعدَ البِلَى وليس إلا الترابُ!!
فكيف يأنسُ بهذا الوجودِ من نَظَرَ بعينِ فكرِهِ المبدأَ والمنتَهَى؟ وكيف تغفلُ القلوبُ عن ذكرِ هذا الإلهِ العظيمِ؟
باللهِ لو صَحَّت النفوسُ عن سُكْرِ هواها لذابتْ من خوفِه .. أو لغابَتْ في حبِّه .. غيرَ أنَّ الحسَّ غَلَبَ .. فعظُمَتْ قدرةُ الخالقِ عندَ رؤية جبلٍ .. وإن الفطنةَ لو تلمَّحتْ المعانِيَ لدلَّت القدرةُ عليه أوفى من دليلِ الجبلِ. فسبحانَ من شغلَ أكثرَ الخلقِ بما هم فيه عما خُلِقوا له .. سبحانَه» [صيد الخاطر].
الفجرُ بدَّده الضحى وعلى الضحى شدَّ الأصِيل
والليلُ يدنو زحفُه فكأنما انَهَمَرَتْ سُيُول
أرخَى على الدنيا دُجَاهُ فعمَّ في الدنيا الذُّهُول