بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فجعلَ صفتَه التي وصفُوه بها شِركًا. وقال: حدثنا أبي ثنا أبو نعيمٍ ثنا الحكمُ يعني أبا معاذٍ عن الحسنِ قال: عَمَدَتِ اليهودُ فنظرُوا في خلقِ السمواتِ والأرضِ والملائكةِ فلما فرَغُوا أخذُوا يقدرُونَه فأنْزَلَ اللهُ تعالى على نبيِّه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} وهذا يدلُّ على أنَّه أعظمُ مما وصفُوه وأنهم لم يقدُرُوه حقَّ قدرِه.
وقوله:{عَمَّا يُشْرِكُونَ} فكلُّ من جعلَ مخلوقًا مثلًا للخالقِ في شيءٍ من الأشياءِ فأحَبَّه مثلَ ما يحبُّ الخالقَ أو وصَفَه بمثلِ ما يوصَفُ به الخالقُ فهو مشركٌ سوَّى بينَ اللهِ وبينَ المخلوقِ في شيءٍ من الأشياءِ فعَدَلَ بِرَبِّه.
والربُّ تعالى لا كُفْؤَ لهُ ولا سَمِيَّ لَهُ ولا مِثْلَ له ومَنْ جعَلَهُ مثلَ المعدومِ والممتنعِ فهو شرٌّ من هؤلاءِ فإنَّه معطِّلٌ ممثِّلٌ والمعطِّلُ شرٌّ من المشركِ.
واللهُ ثَنَّى قصةَ فرعونَ في القرآنِ في غيرِ موضعٍ؛ لاحتياجِ الناسِ إلى الاعتبارِ بها فإنه حَصَلَ له من الملكِ ودعوى الربوبيةِ والإلهيةِ والعلوِّ ما لم يحصُلْ مثلَهُ لأحدٍ من المعطِّلِينَ وكانتْ عاقِبَتُه إلى ما ذَكَرَ اللهُ تعالى وليسَ للهِ صفةٌ يماثِلُهُ فيها غيرُه؛ فلهذا لم يَجُزْ أن يُستَعْمَلَ في حقِّهِ قياسُ التمثيلِ ولا قياسُ الشمولِ الذي تَستَوِي أفرادُه فإنَّ ذلك شركٌ؛ إذ سُوِّيَ فيه بالمخلوقِ؛ بل قياسُ الأولى.
فإنَّه سبحانه له المثلُ الأعلى في السمواتِ والأرضِ فهو أحقُّ من غيرِه بصفاتِ الكمالِ وأحقُّ من غيرِه بالتَّنْزِيهِ عن صفاتِ النقصِ (١).