ويدعو ابنُ القيمِ رحمهُ اللهُ إلى التأملِ في القرآنِ بهدفِ الوصولِ إلى تعظيمِ اللهِ تعالى ومحبَّتِه وإفرادِه بالعبادةِ والطاعةِ، قالَ رحمهُ اللهُ: «تأمل خطابَ القرآنِ تجدْ ملكًا له المُلكُ كلُّه، وله الحمدُ كلُّه، أزِمَّةُ الأمورِ كلُّها بيدِه، ومصدَرُها منه، ومردُّها إليه، لا تَخْفَى عليه خَافِيةٌ في أقطارِ مملكتِهِ، عليمًا بما في نفوسِ عبيدِه، مُطَّلِعًا على أسرارِهم وعلانِيَتِهم، منفَرِدًا بتدبيرِ المملكةِ، يسمعُ، ويرى، ويعطي، ويمنعُ، ويثيبُ، ويعاقبُ، ويُكرمُ، ويُهينُ، ويخلقُ، ويرزقُ، ويُميتُ، ويُحيي، ويقدِّرُ، ويقضي، ويدبِّرُ. الأمورُ نازلةٌ من عندِه دقيقُها وجليلُها، وصاعدةٌ إليه لا تَتَحَرَّكُ في ذرِّةٍ إلا بإذْنِه، ولا تسقُطُ ورقةٌ إلا بعلْمِه.
فتأملْ كيفَ تجِدُهُ يثنِي على نفسِه، ويمجِّدُ نفسَه، ويحمَدُ نفسَهُ، وينصَحُ عبادَه، ويدُلُّهم على ما فيه سعادَتُهم وفلاحُهم ويرغبُهم فيه، ويحذِّرُهم مما فيه هلاكُهم. ويتعرَّضُ إليهم بأسمائِه وصفاتِه، ويتحبَّبُ إليهم بنعمِهِ وآلائِه. فيذكِّرُهم بنعَمِهِ عليهم، ويأمرُهم بما يَسْتَوْجِبُون به تمامَها، ويحذِّرُهم من نِقَمِهِ، ويذكِّرُهم بما أعدَّ لهم من الكرامةِ إن أطاعُوه، وما أعدَّ لهم من العقوبةِ إن عَصَوْهُ. ويخبِرُهم بصُنْعِه في أوليائِهِ وأعدائِهِ، وكيفَ كانتْ عاقبةُ هؤلاءِ وهؤلاءِ. ويثنِي على أوليائِهِ بصالحِ أعمالِهم، وأحسنِ أوصافِهِم، ويذمُّ أعداءَه بسيِّئِ أعمالِهم، وقبيحِ صفاتِهم.