حاجَتِهم إليه من كلِّ وجهٍ، وأنهم لا غنىً لهم عنه طرفةَ عينٍ، ويذكُرُ غنَاهُ عنهم وعن جميعِ الموجوداتِ، وأنه الغنيُّ بنفسِه عن كلِّ ما سوَاهُ، وكلُّ ما سوَاهُ فقيرٌ إليه بنفسِه، وأنه لا ينَالُ أحدٌ ذرةً من الخيرِ فما فوقَها إلا بفضْلِه ورحمَتِه، ولا ذرَّةً من الشَّرِّ فما فوقَها إلا بعدْلِه وحكمَتِه.
ويشهدُ من خطابِه عتابَه لأحبابِه ألطفَ عتابٍ، وأنَّه معَ ذلك مُقيلُ عثراتِهم، وغافرُ زلاتِهم، ومقيمُ أعذارِهم، ومصلحُ فسادِهم، والدافعُ عنْهُم، والمحامِي عنهُم، والناصرُ لهم، والكفيلُ بمصالحِهم، والمنجي لهم من كلِّ كربٍ، والموفِّي لهم بوعدِه، وأنه وليُّهم الذي لا وليَّ لهم سوَاهُ، فهو مولاهُم الحقُّ، ونصيرُهم على عدوِّهم؛ فنعمَ المولى ونعمَ النصيرُ.
فإذا شهدتِ القلوبُ من القرآنِ ملكًا عظيمًا، رحيمًا، جوادًا، جميلًا، هذا شأنُه؛ فكيفَ لا تحبُّه، وتُنافِسُ في القربِ منه، وتنفِقُ أنفاسَها في التودُّدِ إليه، ويكونُ أحبَّ إليها من كلِّ ما سوَاهُ، ورضَاهُ آثَرُ عندَها من رضَا كلِّ ما سوَاهُ؟! وكيفَ لا تَلْهَجُ بِذِكْرِه، ويصيرُ حبُّه، والشوقُ إليه، والأنسُ به، هو غذاؤُها وقوتُها ودواؤُها؛ بحيثُ إن فَقَدَتْ ذلكَ فَسَدَتْ وهلكَت ولم تَنْتَفِعْ بحياتِها؟!