للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كلمات من كل لسان.

وهي -على هذا الضعف والعجز وهذه المعايب كلها- قد سَمَتْ بها هِمَمُ أهلها حتى فرضوها على ثلث أهل الأرض وأنطقوهم بها. واللغة العربية، وهي أكمل لغات البشر وأجودها مخارجَ وأضبطها قواعدَ، ذات القياس المطّرد والأوزان المعروفة (١)، والتي هي أقدم قِدَماً من التاريخ فلا يعرفها التاريخ إلا كاملة النموّ بالغة النضج. فمتى ولدت؟ ومتى كانت طفولتها؟ ومتى تدرّجت في طريق الكمال حتى وصلت إلينا كاملة مكمَّلة،


(١) رأيتم قبل قليل اطّراد القياس في وزن «فُعالة» على سبيل المثال، وهاكم مثالين آخرين (من بين عشرات وعشرات) على عظمة القياس في اللغة؛ فقد سُمع من قديم وزن «فِعالة» للدّلالة على الحِرْفَة في عشرات الألفاظ، فأقرّ المَجْمَع (في مؤتمر عام ١٩٧٥) قياسية هذه الصيغة لكل حرفة، من الفعل الثلاثي إذا احتمل دلالة الاستمرار والملازمة، مثل: نِجارة وحِدادة ووِراقة وطِبابة وخِياطة وبِقالة، إلخ. ومن هذا الباب الكلمة التي اقترحها علي الطنطاوي لما يسميه الأكثرون «التقنية»، وهي «التِّقانة». ومثال آخر: وزن «فُعال» للمرض، فقد سُمعت عن العرب عشرات الألفاظ التي تدل على المرض من هذا الوزن، مثل: صُداع وسُعال وزُكام وبُحاح ودُوار وهُلاس (وهو مرض السُّلّ) وكُباد وكُزاز (وهو الارتعاد من البرد) وفُواق وخُناق، إلخ. فأقرّ المجمع قياسية هذه الصيغة مطلقاً لكل داء أو مرض (من «فَعَل» اللازم المفتوح العين). والأمثلة على الأوزان القياسية التي تجعل من لغتنا العربية أطوعَ لغات الدنيا لاستيعاب كل جديد لا تُحصى، ولو أن المقام مقام الاستقصاء لرأى القرّاء من هذا الباب عجائب ما كانوا يظنونها في لغتهم التي ينطقون (مجاهد).

<<  <   >  >>