ومن يستمع إليّ إن قلت إن الأسلوب قبل الفكرة، والعبارة قبل الغرض، وإن المقطوعة الجميلة الأسلوب الصافية الديباجة المنخولة اللفظ أفضل -ولو خلت من المعنى المبتكَر- من كل هذا الهذَر الذي تسمّونه الشعر الجديد، وإن المعاني -مهما سمت وعلت- إن جاءت في اللفظ الركيك والنظم المتهافت (كنظم الصافي النّجَفي) لم يكن فيها خير ولم تكن إلا كتماثيل الثلج، كل ما فيها من دقة الصنع وروعة الفن يذوب إن أشرقت عليه الشمس فيصير وحلاً تطؤه الأقدام؟
هذه آرائي، فهل يستمع إليّ الناس إن أنا أبديتها؟ وهل ترضى «المسلمون» عن هذه الآراء؟ وإن هي لم تكن معي فيها، فهل تدعني أقول ما أشاء على عهدتي، أم تسدّ فمي وتشدّ بنِسْعَة لساني؟ وإن هي تركتني وخلّت بيني وبين الناس، فهل بقي لي من القوة والأَيْد ما أصاول به وأجادل، وأدافع عن آرائي؟
* * *
وشيء آخر؛ هو أني أعلم أن الغايات ثلاث: الحقيقة، والخير، والجمال. وأن الأدب لا يبتغي إلا الجمال وحده، هو غايته التي يمشي إليها وهو طَلِبَته التي يحرص عليها، وأن أعذب الكلام أكذبه. وهل الاستعارات والمَجازات كلها إلا أكاذيب؟
أنا أعلم هذا، وقد نشرت هذا الفصل عن الشريف الرضيّ دلالة عليه (١). ولكن الشريف وغير الشريف إنما قالوا هذا في
(١) يشير إلى مقالة «سيد شعراء الحب العذري»، التي نشرها في «باب البيان» عندئذ، وهي في كتابه «رجال من التاريخ» (مجاهد).