حكّمتموهُ فقضى بينكم ... أبْلَجُ مثلُ القمر الزّاهرِ
لا يقبل الرِّشْوةَ في حُكمه ... ولا يُبالي غَبَنَ الخاسر
فقال له المهتدي: أما أنت أيها الرجل فأحسن الله مقالتك، وأما أنا فما جلست هذا المجلس حتى قرأت في المصحف:{وَنَضَعُ المَوَازينَ القِسْطَ لِيَوْمِ القِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيئاً، وإنْ كانَ مِثْقَالَ حَبّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِها، وَكَفى بنا حَاسبين}.
قال: فما رأيت باكياً أكثر من ذلك اليوم.
(تاريخ بغداد، ٣/ ٣٤٩)
* * *
من صفات الرشيد
كان هارون الرشيد أبيض طويلاً مَليحاً فصيحاً، له نظر في العلم والأدب، وكان يصلّي في خلافته في كل يوم مئة ركعة إلى أن مات، لا يتركها إلا لعلة، ويتصدق من صُلب ماله كل يوم بألف درهم.
وكان يحب العلم وأهله ويعظّم حرمات الإسلام، ويبغض المِراء في الدين والكلام في معارضة النص، وكان يبكي على نفسه وعلى إسرافه وذنوبه، لا سيّما إذا وُعظ.
دخل عليه مرة ابن السمّاك الواعظ، فبالغ في احترامه، فقال له ابن السماك: تواضعك في شرفك أشرف من شرفك، ثم وعظه فأبكاه.