قام بعض الزهّاد بين يدَي المنصور فقال: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشترِ نفسك ببعضها، واذكر ليلة تبيت في القبر وكأنك لم تَبِتْ قبلها ليلة، واذكر ليلة تمَخّض عن يوم لا ليلة بعده.
فأمر له المنصور بمال فقال: لو احتجت إلى مالك ما وعظتك!
(تاريخ الخلفاء، ص١٠٣)
* * *
عزة العلم
قال الجاحظ: لقد دخلت على إسحاق بن سليمان في إمرته فرأيت السِّماطَين (١) والرجال مثولاً كأن على رؤوسهم الطير، ورأيت فرشته وبِزّته.
ثم دخلت عليه وهو معزول، وإذا هو في بيت كتبه (أي في مكتبته) وحواليه الأسفاط والرقوق والقماطير والدفاتر والمساطر والمحابر، فما رأيته قط أفخم ولا أنبل ولا أَهْيَب ولا أجزل منه في ذلك اليوم، لأنه جمع مع المهابة المحبة، ومع الفخامة الحلاوة، ومع السؤدد الحكمة.
(الحيوان للجاحظ، ص٥٠)
* * *
(١) السِّماط هو الصف من الرجال، وكانوا يقولون: قام الرجال حول فلان سِماطَين؛ أي وقفوا صفَّين بين يديه (مجاهد).