علي أبي جعفرٍ المنصورِ، فقال له: يا أميرَ المؤمنينَ! إن الله قد أعطاكَ الدنيا بكمالِها، فاشترِ نفسَك منه ببعْضِها، واعلمْ أَنَّكَ واقفٌ بين يديه، وسائِلُكَ عن مثاقيلِ الذَّرِّ من الخيرِ والشرِّ، وإنّه لا يرضى منكَ إلا بما لا ترضى لنفسِك إلا به، وأنتَ لا ترضى إلا بأن يعدلَ عليك، واللهُ تعالي لا يرضى إلا بالعدلِ علي الرعية.
يا أمير المؤمنين! إنّ وراء بابك نارًا تأجَّجُ من الظلمِ والجَوْرِ، واللهِ! ما يُعمل خلفَ بابِك بكتاب الله، ولا سنةِ نبيِّه - صلى الله عليه وسلم -.
قال: فبكي أبو جعفرٍ بكاءً شديدًا، فقال له سليمانُ بنُ مجالد: اكْفُفْ عن أميرِ المؤمنين، فقد شَقَقْتَ عليه. فقال: إنَّ أميرَ المؤمنين مَيِّتٌ غدًا، وكلُّ ما ترى ههنا أمرٌ مفظعٌ، وأنت جيفة بالعَراء، فلا يغني عنك إلا عملُك، ولَهذا الجدارُ خير لأمير المؤمنينَ منكَ إذا طويْتَ عنه النصيحةَ، وافقت مَنْ يفضحه.
ثم قال: يا أمير المؤمنين! إنّ هؤلاء اتّخذوك سُلَّمًا لشهواتهم، فكلُّهم يوقد عليك نارَهُ، لمّ تلا:{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ} إلي أن بلغ {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}[الفجر: ١٤].
يا أمير المؤمنين! لمن عمل مثل أعمالهم، وفعلَ مثلَ أفعالهم.
يا أمير المؤمنين! لولا أنّها مضتْ عَمَّنْ كان قبلَك، لم يصل إليك منها شيء، فاعلم أنّك وارثُ مَنْ مضى، وموروثٌ غدًا، وقادمٌ علي ربّك، ومَجْزِيٌّ بعملك، فاتَّقِ ليلةً تَمَخَّض عن يومٍ لا ليلةَ بعدَه، وهي ليلةُ القيامة.