السوق يأمرُهم بتقوى الله، يُقبل فيها ويُدبر، ثمَّ مرَّ علي أبي، فقال له أبي: حَبَسْتَني، ليس هذا وعدتني، ثمَّ مرَّ الثانيةَ، فقال له أبي مثلَ ذلك، ويردُّ عليه عمرُ: لا أريمُ حتى أوفيك، ثمَّ مرَّ به الثالثةَ، فوثب إليه أبي مُغْضَبًا، فأخذ بثياب عمر، فقال له: كذبْتَني وظلمتني، ولَهَزه، فوثب المسلمون إليه: يا عدو الله! لهزت أمير المؤمنين، فأخذ عمرُ بِجُمْعِ ثيابِ أبي، فجرّه إليه، لايملك من نفسه شيئًا -وكان شديدًا-، فانتهى به إلي قصّاب، فقال: عزمتُ عليك، أو أقسمتُ عليك لتعطينَّ هذا حقَّه، ولك ربحي، وكان عمرُ باعَ الغنَم منه، فقال: يا أمير المؤمنين! لا، ولكن أُعطي هذا حقّه، وأهديك ربحه، فأخَرج حقّه، فأعطاه، فقال له عمر: استوفيتَ؛ قال: نعم، فقال له عمر: بقي حقُّنا عليك، لهزتك التي لهزتني قد تركتُها لله -عَزَّ وَجَلَّ-، قال الأصبغ: فكأني أنظرُ إلي عمر أخذَ ربحَه لحمًا، فعلّقه في يده اليسرى، وفي يده اليمنى الدرَّة يدور الأسواق حتّى دخل رحله (١).
فانظر- رحمك الله- هل يفعل هذا عبدٌ لأميرٍ، فضلًا عن سلطان الدين؟! فكيف يزعم كلبٌ منغمِسٌ في الظلم أنه أعدلُ منه؟! فلا حول ولا قوة إلا بالله.
أخبرنا الجماعةُ، أنا ابنُ الزَّعبوب، أنا الحجّار، أنا ابنُ الزَّبيديُّ، أنا السِّجْزِيُّ، أنا الداوديُّ، أنا السَّرَخْسيُّ، أنا الفربريُّ، أنا البخاريُّ،
(١) رواه ابن الجوزي في "مناقب عمر": (ص: ١٥٦). ورواه ابن أبي الدنيا في "إصلاح المال" (ص: ٧٥ - ٧٦)، وفي "التواضع والخمول" (ص: ١٣٣)، وأصبغ بن نباتة متروك رمي بالرفض.