فيأبى، قال: ولِمَ؟ قالت: لأن عمر لا يفرض إلا للفطم، قال: وكم له؟ قالت: كذا وكذا شهرًا، قال: ويحك! لا تعجليه، فصلَّي الفجر، وما يستبين الناسُ قراءتَه من غَلَبَة البكاء، فلما سلَّم، قال: يا بؤسًا لعمر! كم قتل من أولاد المسلمين! ثم أمر مناديًا فنادى: ألا تعجلوا صبيانكم عن الفطام، فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام، وكتبتُ بذلك إلي الآفاق أن يفرض لكلِّ مولود في الإسلام (١).
وبه إلي ابنِ الجوزيِّ، أنا محمّدُ بنُ أبي منصور وعليُّ بنُ أبي عمرَ، قالا: أنا عليُّ بنُ الحسين، أنا أبو عليِّ بنُ شاذانَ، أنا أحمدُ بنُ جعفرٍ، ثنا عبدُ الله بنُ أحمدَ، قال: ذكر مصعبُ بنُ عبدِ الله الزبيديُّ: حدثني أبو عبدِ الله بنُ مصعبٍ، عن ربيعةَ بنِ عثمانَ، عن زيدِ بنِ أسلمَ، عن أبيه، قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب إلي حَرَّةِ وَاقِمٍ، حتى إذا كنا بصرارٍ، إذا نارٌ، فقال: يا أسلم! إنَّ هاهنا ركبًا، فضربهم الليل والبرد، انطلقْ بنا، فخرجنا نُهرولُ حتى دنونا منهم، فإذا بامرأة معها صبيان صغار، وقِدْرٍ منصوبة علي نار، وصبيانُها يَتَضاغَوْنَ، فقال عمر: السلامُ عليكم يا أصحابَ الضوء -وكره أن يقول: يا أصحاب النار-، فقالت: وعليكم السلام، فقال: أدنو؟ فقالت: ادنُ بخير، أو دع، فدنا، فقال ما بالُكُم؟ قالت: قصر بنا الليلُ والبرد، قال: وما لهؤلاء الصبيةِ يتضاغون؟ قالت: الجوع، قال: فأيُّ شيء في هذه القدر، قالت: ما أُسَكِّتُهم به حتى يناموا، واللهُ بينَنا
(١) رواه ابن الجوزي في "مناقب عمر" (ص: ٦٨) ورواه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" (٣/ ٣٠١)، وأبو عبيد في "الأموال" (ص: ٣٠٣).