للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخشوعيُّ، أنا أبي أبو طاهرٍ، أنا أبو محمّدِ بنُ الاكفانيِّ، أنا أبو محمّدٍ الكتانيُّ، أنا أبو بشرٍ المزنيُّ، أنا ابنُ زبرٍ، أنا أبي، قال: ذكر عبدُ الجبارِ بنُ سعيدٍ، عن أبيه، عن محمّدِ بنِ إبراهيمَ، قال: حضرت أبا جعفرٍ المنصورَ بالمدينة، وعنده ابنُ أبي ذئبٍ، فقال له أبو جعفرٍ: يا بن أبي ذئب! أخبرْني بحالات الناس، فقال: يا أمير المؤمنين! هلك الناس، وضاعت أمورُهم، فلو اتقيتَ الله فيهم، وقسمتَ فيهم فيئهم. قال: ويلَكَ يا بن أبي ذئب! لولا ما بعثنا بذلك الفيء من البعوث، وسددنا به من الثغور، لأتيت في منزلك، وأُخذت بعنقك، وذُبِحْتَ كما يُذبَح الجمل. فقال ابن أبي ذئب: يا أمير المؤمنين! قد بعثَ البعوثَ، وسدَّ الثغورَ، وقسم فيهم فيئهم غيرُك، قال: وَيْلَكَ! ومن ذاك؟ قال: عمرُ بنُ الخطاب. قال: فأطرق أبو جعفرٍ إطراقةً، ورفع رأسه، وقال: إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- عملَ لزمانٍ، وعملنا لغيره. فقال: يا أمير المؤمنين! إن الحقَّ لا ينقلُه الزمانُ عن مواضعه، ولا يغيرُهُ عن وجهه. قال: أحسبُكَ يا بن أبي ذئبٍ طعَّانًا على السلطان؟ قال: لا تقلْ ذلك يا أمير المؤمنين، فوالذي يُمسِكُ السماءَ أن تقع على الأرض إلا بإذنه، لَصلاحُكَ أحبُّ إليَّ من صلاح نفسي، وذاك أنَّ صلاحي لنفسي لا يَعْدوها، وصلاحك لجميع المسلمين. قال: فأطرق أبو جعفر، وإن المسيب والحرس قيامٌ على رأسه بأيديهم السيوفُ المسللةُ. قال: ثم رفع رأسه، وقال: من أراد أن ينظر إلي خير أهلِ الأرض اليومَ، فلينظرْ إلي هذا الشيخ -وأومأ إلي ابن أبي ذئب-. قال: فقلت في نفسي: أشهدُ أن الله وليُّ الذين آمنوا، وهو منجي المتقين.

<<  <   >  >>