للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليهم ثيابهم مخافةَ أن تتلطَّخ عليهم من دمه ودماغه، فلم يهجْه بشيء، وانصرف الناس.

فقال عمُّ أبي جعفر له: يا أمير المؤمنين! إن هذا المجلس قد حضره أهلُ الآفاق، وينصرفون إلي البلاد، فيخبرون بما كان إلي أمير المؤمنين من الجرأة، فلو قتلتَ هذا الكلبَ، لئلا يجترئ عليك غيرُه من الناس، فقال له أبو جعفر: ويحكَ! هذا رجلٌ قد بلغت منه صعوبةُ العبادة، وقد سمعَ الحديثَ: "إِنَّ أَفْضَلَ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ قَالَهَا عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ، فَقُتِلَ عَلَيْهَا"، فطمع أني أقتلُه، فيصير إلي الجنة، وأُريحه مما هو فيه من صعوبة العبادة، ولا والله! ما أهيجه أبدًا حتى يموتَ أو أموتَ.

وبه إلي ابنِ زبرٍ، أنا أبي، ثنا عبد الله بنُ مسلمٍ، عن داودَ بنِ أبي العباس، عن أبيه، عن جدِّهِ، قال: بعث بي المنصورُ إلي ابنِ أبي ذئبٍ أسألُه عن مسألة، فقال: ما هي؟ فذكرتها له، فقال: لا يراني الله -عَزَّ وَجَلَّ- أُفتي جبارًا مثلَه في مسألة فيها ضررٌ على المسلمين، قال: فرجعتُ إلي المنصور مُغْضَبًا، فعرف في وجهي ذلك، فقال: لقد جئتَ بغير الوجه الذي ذهبتَ به؟ فقلت: تبعثُ بي إلي مجنون؟ ثم أخبرته، فقال المنصور: الذي لقيتُ أنا منه العامَ في الطواف أشدُّ من هذا، كنتُ بالأسواق إلي أن أراه، فبينا أنا أطوف، إذ قال لي المسيَّبُ: أليس كنتَ تسألُ عن ابن أبي ذئب؟ فقلت: بلي، فقال: هو ذا هو يطوف، فأتيته، فقلت: السلام عليكم ورحمة الله، وناولتُه يدي، قال: فبرق عينيه في وجهي، وقال: من أنت؟ فلقد

<<  <   >  >>