قال: فما صنعتَ فيما أخذتَ منهم؟ قال: وفيم أنتَ من ذلك؟ بعثتني أمينًا، فنظرتُ لنفسي، واحتطْتُ لها، والله! لولا أني أكره أن أغمَّكَ، ما حدثتُك بشيء، قدمتُ البلادَ، فدعوت المسلمين على ما يجب عليهم من دينهم، ثمّ قلدتهم ذلك، ثمّ دعوت أهل الكتاب، واستعملت عليهم ناسًا من المسلمين يأخذون منهم الجزية، ثمّ يردونها في فقراء المسلمين ومجهوليهم، ولم ينلك من ذلك شيء، ولو نالك من ذلك شيء، بلّغتكه. فقال عمر: سبحان الله يا عمير! أما كان أحد ينزع بخير، فيحملك على دابة حين أقبلتَ، بئس المسلمون فارقتَ، وبئس المعاهَدون فارقتَ، أما والله! لقد سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"لتوطأنَّ حَريمُهُمْ بِطَرِيقِهِمُ، ولَيُجارُنَّ في حُكْمِهِمْ، ولَيُسَلَّطَنَّ عَلَيْهِمْ رِجَالٌ إِنْ تَكَلَّمُوا قَتَلُوهُمْ، وَإِنْ سَكَتُوا اجْتَاحُوهُمْ". فقال عمير: سبحان الله يا عمر! أولا أراك تشتهي سفكَ دماءِ المسلمين، وانتهاكَ حريمهم؟ فقال عمر -رضي الله عنه-: إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتنهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُسَلِّطَن اللهُ عَلَيْكُمْ شِرَاركُمْ، ثُمَّ تَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلاَ يُسْتَجَابَ لَهُمْ". ثمّ قال: هاتوا صحيفة كيما نُحْدِثَ لعميرٍ عهدًا. فقال عمير: كلا والله يا أمير المؤمنين! اتَّقِ اللهَ وأَعْفِني، فوالله! ما كنتُ أنجو مع أَنِّي ما نجوتُ، إني قلتُ لنصرانيٍّ مرة: أجزاك الله، وإني سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:"أَنَا خَصِيم عَنِ الذِّمِّيِّ وَالْيَتيمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ أُخَاصِمْهُ أَخْصِمْهُ"، وما يؤمِنُني أن يخاصمَني محمّدٌ - صلى الله عليه وسلم -؟ ثمّ جعل يبكي.
قال الحسن: فبكي عند ذلك عمرُ -رضي الله عنه-، ثمّ صعد