للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الحسن: فأقام الرسولُ عندهم ثلاثًا، فكان إذا أمسى، أتوه بقُرصة لهم قد أَدموها بزيت، فلما انقضتِ الثلاثة، قال له عميرٌ: يا هذا! تحوَّلْ عنّا، فقد أَجَعْتَنا وأجعتَ عيالنا.

وكان الحسن يقول: كان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "حَقُّ الضِّيَافَةِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ، فَمَا أَصَابَ الضَّيْفُ فَوْقَ ذَلِكَ، فَهُوَ صَدَقَةٌ".

فلما قال للرسول ما قال، أخرج المئة دينار، فناولها عُميرًا، وقال: هذه صِلَةُ أمير المؤمنين، وخرج الرسولُ، فلما صارت الدنانير في يد عمير، جعل يبكي، فقالت له امرأته لما رأته يبكي: قمْ فأخرجْ هذه الدنانيرَ عني، ولا تَبْك على مال. [فقال لها]: ويحك! تلومينني أن أبكي، وقد صحبتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم أُبْتَلَ بشيء من الدنيا، ثمّ صحبتُ الأمينَ الصدِّيق أبا بكر -رضي الله عنه- ولم أُبتلَ بشيء من الدنيا، ثمّ صحبتُ عمرَ -رضي الله عنه-، فابتُليت بالدنيا، ألا وشرُّ أيامي يومَ خُلقت مع عمر إذ ابتُليت بالدنيا، فهل عندك من خير؟ قالت: أنا بحيث تحب، فألقت إليه درعًا لها خَلَقًا، فجعل يَصُرُّ خمسة وأقلَّ وأكثر حتى أتى عليها، ثمّ دار بها على بني الشهداء، ففرقها عليهم.

وقدم الرسول على عمر، فقال له: كيف تركتَ أخي؟ قال: يا أمير المؤمنين! جئتُ من عندِ أقلِّ الناس خيرًا، يعمد إلي الخير كلِّه، فيجعله للآخرة، والله! ما أعطاني من تلك الدنانير دينارًا واحدًا.

قال: فلعلَّ على أخي دينًا؟ قال: لا والله! ولكني أخليها.

<<  <   >  >>