تاركيها، قال إسحاقُ بن إبراهيم الحَنْظَليُّ: كان عبدُ الله بن طاهرٍ إذا سألني عن حديث فذكرتُه له بلا إسناد، سألني عن إسنادِه ويقولُ: روايةُ الحديث بلا إسنادٍ مِنْ عَمَلِ الزَّمَنْى، فإنَّ إسنادَ الحديثِ كرامةٌ من الله -عَزَّ وَجَلَّ- لأمَّةِ محمَّدٍ (١).
ولم تزلْ هذه السنةُ المحمودةُ في الأمة إلى يومنا هذا، وقد حَفِظَ لنا التاريخُ الإسلاميُّ في ذلك المصنفاتِ والدواوينَ الكثيرةَ لجم غفيرٍ من المصنِّفين المتقنين؛ كالذَّهبي وابن حجر وغيرهما.
وكان للإمام المُسْنِد يوسفَ بنِ عبد الهادي -المعروفِ بإيراد الأحاديث والآثار بأسانيدهِ المتصلةِ في جُلِّ كتبه- مؤلَّفٌ طريفٌ في هذا الباب سَمَّاه:"النهاية في اتصال الرواية" حَفَلَ بذكرِ أسانيده المتصلة إلى الأئمة الأعلام وأصحاب المصنَّفاتِ والكتبِ المشهورة، فقد أوردَ فيه جَمهرةً من أَسماء الأنبياءِ والصَّحابة والتابعين والقُراء والمفسِّرين والمحدّثين والفقهاء والأدباء والحُكماء والشعراء والقضاة والصالحين، مُوردًا عن كلِّ واحدٍ إسنادَه المتصلَ إليه مع سَوقِ روايةٍ حديثيةٍ من تلك الطريق، أو أثرٍ، أو قصَّة، أو أبياتٍ شعريةٍ ونحو ذلك.
وذكرَ فيه طائفةً من شيوخه بالسَّماع أو الإجازة، ويُعَدُّ هذا المؤلَّف بهذه الخَصيصة من أبرز مصادِر شيوخه الذين أخَذَ عنهم، كما أنه مُعرّق بأسانيد وطُرق المصنفاتِ المتداولة، كالبخاريِّ ومسلم وأبي داود والترمذيِّ وأحمد وغيرهم من أصحاب المعاجم والمسانيد والسُّنن والأجزاء.
(١) رواه السمعاني في "أدب الإملاء والإستملاء" (ص: ٦).