للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وراحته، ومَن أراد أن يطَّلع على ذلك فليجربِ الإنفاق فسيجد الآثار الحميدة التي تحصُل له بهذا الإنفاق، ولا سيما فيما إذا كان الإنفاقُ واجبًا مؤكدًا كالزَّكاة، فإن الزَّكاة أحد أركان الإسلام ومَبانيه العِظام، وهي التي تأتي كثيرًا مَقْرُونة بالصلاة التي هي عَمود الإسلام، وهي في الحقيقة محكُّ تبين كون الإنسان محبًّا لما عند الله عزَّ وجلَّ، لأن المال محبوب إلى النفوس، وبذل المحبوب لا يمكن أن يكونَ إلا مِن أجل محبوبٍ يؤمن به الإنسانُ وبِحُصوله، ويكون هذا المحبوب أيضًا أحب مما بذَلَهُ (١).

ومَصالح الزَّكاة وزيادةُ الإيمان بها وزيادة الأعمال وغير ذلك- أمرٌ مَعلوم، يحصُل بالتأمل فيه أكثر مما ذكَرْنا، وآثارُها على المجتمع وعلى الاقتصاد الإسلامي ظاهرةٌ أيضًا؛ فإن فيها من مواساة الفقراء والقيام بمصالح العامة ما هو معلوم ظاهرٌ مِن مَصارف هذه الزَّكاة، فإنَّ الله سبحانه وتعالى قال في مَصارف هذه الزَّكاة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (٢) وهؤلاءِ الأصنافُ الثمانية منهم مَن يأخذها لدفع حاجته، ومنهم مَن يأخذها لحاجة المسلمين إليه، فالفقراءُ والمساكين والغارمون لأنفسهم هؤلاء يأخذون لحاجتهم، وكذلك ابن السبيل والرِّقاب، ومنهم من يأخذ لحاجة الناس إليه، كالغارم لإصلاح ذات البَيْن، والعاملين عليها، والمجاهدين في سبيل الله.

فإذا عرَفنا أن توزيع الزَّكاة على هذه الأصناف يَحْصُل به دفع الحاجة الخاصة لمن يُعطاها، ويحصُل به دفْع الحاجة العامة للمسلمين، عرَفنا مدى نفعها للمجتمع، وفي الاقتصاد تتوزَّع الثروات بين الأغنياء والفقراء؛ بحيث يؤخذ من أموال الأغنياء هذا القدْر ليصرفَ إلى الفقراء، ففيه توزيعٌ للثروة؛ حتى لا يحدثَ التضخُّم من جانب، والبؤس والفقر من جانب آخر (٣).

وفيها أيضًا مِن صلاح المجتمع ائتلافُ القلوب، فإن الفقراء إذا رأوا مِن الأغنياء أنهم


(١) المرجع السابق (ص: ١٨٥).
(٢) التوبة: ٦٠.
(٣) المرجع السابق والصفحة نفسها.