للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جميع المهاجرين والأنصار، بل كان عدد الذين آخى النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهم تسعين رجلًا، وقيل: مائة، خمسون من المهاجرين، وخمسون من الأنصار، وكان ذلك قبل غزوة بدر (١).

وتشير بعض المَصادر إلى نزول عدد من الأنصار في الصُّفَّة، وأن نزولهم في الصُّفَّة حبًّا لحياة الزهد والفقر، ومواساة لإخوانهم، رغم استغنائهم عن ذلك، يقول أبو نعيم في ترجمة أبي سعيد الخدري: «وحاله قريب من حال أهل الصُّفَّة، وإن كان أنصاري الدار؛ لإيثاره التصبر، واختياره للفقر والتعفف» (٢)، وقيل منهم كذلك البراء بن مالك، وأبو سعيد الخدري، وحارثة بن النعمان، وحنظلة بن أبي عامر (٣)، ويرى الباحث أن نزول هؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم غير ثابت كثبوت نزول المهاجرين في الصُّفَّة، ولم يذكر في روايات كثيرة وهو وإن كان ثابتًا نزولهم في الصُّفَّة فليس مسلمًا بأن سبب نزولهم إياها لإيثارهم التصبر، واختيارهم للفقر والتعفف؛ فقد ورد هذا فقط في ترجمة أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -، وأما الصحابة الآخرون من الأنصار رضوان الله عليهم فقد يكون نزولهم الصُّفَّة لحالهم وفقرهم، فكما أن في المهاجرين فقراء فكذلك في الأنصار، فهم ليسوا جميعًا أغنياء، وقد وجد الفقراء في أكثر المجتمعات غنىً وثراءًا.

وبهذا يتضح بأن أهل الصُّفَّة ليسوا أشخاصًا بأعيانهم، بل هم من الفقراء والمساكين، وغالبهم من المهاجرين الذين غلبت عليهم الظروف المعيشية الصعبة في تلك الفترة، وعندما تحسنتْ أوضاعُهم لم يبقوا فيها.

فقد روى أنس بن مالك أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - ببعير فقال: يا رسول الله، أعقله وأتوكل؟ أو أطلقه وأتوكل؟ قال: (اعقله وتوكل)، قلت: ولا حجة لهم في أهل الصُّفَّة، فإنهم كانوا فقراء يقعدون في المسجد ما يحرثون ولا يتجرون، ليس لهم كسب ولا مال، إنما هم أضياف الإسلام عند ضيق البلدان، ومع ذلك فإنهم كانوا يحتطبون بالنهار، ويسوقون الماء إلى بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقرؤون القرآن بالليل ويصلون؛ هكذا وصفهم البخاري وغيره، فكانوا يتسببون، وكان


(١) الطبقات لابن سعد (١/ ٢٣٨).
(٢) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني (١/ ٣٦٩)، وانظر الصُّفة، دراسة تاريخية توثيقية، مرجع سابق، (ص: ٢٩).
(٣) حلية الأولياء لأبي نُعَيْم الأصبهاني، مرجع سابق (١/ ٣٥٠ - ٣٦٩).