للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعبادته، وقراءة القرآن، فإذا غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزا معه، وإذا أقام أقام معه، حتَّى فتح الله على رسوله وعلى المؤمنين، فصاروا إلى ما صار النَّاس إليه غيرهم ممَّن كان ذا أهل ومال وطلب للمعاش واتِّخاذ المسكن؛ لأن العذر الَّذي حبسهم في الصُّفَّة قد زال، فرجعوا إلى الأصل لما زال العارض، فالذي تحصَّل أن القعود في الصُّفَّة لم يكن مقصودًا لنفسه، ولا بناء الصُّفَّة للفقراء مقصودًا؛ بحيث يقال: إن ذلك مندوب إليه لمن قدر عليه، ولا هي شرعيَّة تطلب بحيث يقال: إن ترك الاكتساب والخروج عن المال والانقطاع إلى الزَّوايا يشبه حالة أهل الصُّفَّة، والدَّليل من العمل أن المقصود بالصُّفَّة لم يدُم، ولم يثابر أهلها ولا غيرهم على البقاء فيها، ولا عمرت بعد النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان من قصد الشارع ثبوت تلك الحالة، لكانوا هم أحقَّ بفهمها أولًا، ثمَّ بإقامتها والمكث فيها عن كل شغل ا. هـ. (١)

وروى أنس بن مالك أن رجلًا أتى النَّبي - صلى الله عليه وسلم - ببعير فقال: يا رسول الله، أعقله وأتوكل أو أطلقه وأتوكل؟ قال: (أعقله وتوكل). قلت: ولا حجة لهم في أهل الصُّفَّة، فإنهم كانوا فقراء يقعدون في المسجد ما يحرثون ولا يتجرون، ليس لهم كسب ولا مال، إنما هم أضياف الإسلام عند ضيق البلدان، ومع ذلك فإنهم كانوا يحتطبون بالنهار ويسوقون الماء إلى بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويقرأون القرآن بالليل ويصلون. هكذا وصفهم البخاري وغيره. فكانوا يتسببون. وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا جاءته هدية أكلها معهم، وإن كانت صدقة خصهم بها، فلما كثر الفتح وانتشر الإسلام خرجوا وتأمَّروا- كأبي هريرة وغيره- وما قعدوا (٢).

ويتضح أن أهل الصُّفَّة كما ورد من آثار يعملون إذا وجدوا فرصة لذلك ومن أمثلة عملهم ما يلي:

١. تولَّى وظيفة الأذان وشؤون المسجد النبوي الشريف اثنان من أهل الصُّفَّة وهما (بلال بن رباح، وعبد الله بن أم مكتوم).


(١) المرجع السابق (ص: ٥٠).
(٢) تفسير القرطبي (٨/ ١٠٨).