ويكثر ذلك في فعل المشيئة أو الإرادة أو نحوهما إذا وقع فعل شرط فإن الجواب يدل عليه ويبينه، نحو قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا، أي: ولو شاء الله ألا يقتتلوا أو عدم اقتتالهم ما اقتتلوا. فإنه لما قيل:«ولو شاء» علم السامع أن هناك شيئا تعلقت المشيئة الإلهية به لكنه خفيّ مبهم، فلما جيء بجواب الشرط صار بينا واضحا يقع في النفس.
ومثله قوله تعالى: وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ، أي: لو شاء هدايتكم لهداكم أجمعين. وقوله تعالى: وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها، أي: ولو شئنا هداية النفوس لآتينا كل نفس هداها.
وكذلك يكثر حذفه بعد نفي العلم ونحوه، كقوله تعالى: وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ أي: لا
يعلمون أن وعد الله حق. وكقوله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ. أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ، أي: لا يعلمون أنهم سفهاء. وقوله تعالى أيضا: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إليكم وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ، أي: لا تبصرون أننا أقرب إليكم.
ويكثر حذف المفعول به أيضا في الفواصل نحو «قلى» من قوله تعالى: وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى، ونحو «يخشى» من قوله تعالى أيضا: طه ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشى، ونحو «أعطى واتقى» من قوله تعالى كذلك: فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى، ونحو «يضرون» من قوله جل شأنه: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْراهِيمَ إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما تَعْبُدُونَ؟ قالُوا نَعْبُدُ أَصْناماً فَنَظَلُّ لَها عاكِفِينَ. قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ؟.
فحذف المفعول في هذه الأمثلة وما أشبهها هو للمحافظة على وحدة الحرف الأخير من الفواصل والذي ينزل في النثر المسجوع منزلة حرف الروي في الكلام المنظوم.