للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقول حسان بن ثابت في مدح الرسول عليه السّلام:

«له همم» لا منتهى لكبارها ... وهمته الصغرى أجل من الدهر

«له راحة» لو أن معشار جودها ... على البر كان البر أندى من البحر

...

تلك هي الأغراض والدواعي البلاغية التي تقتضي التقديم والتأخير أحيانا بين المسند والمسند إليه.

ولكن بالإضافة إلى ذلك هناك نوع آخر من التقديم يكون مقصورا على تقديم متعلقات الفعل عليه، من مثل المفعول والجار والمجرور والحال والاستثناء وما أشبه ذلك.

فالأصل في العامل أن يقدم على المعمول، فإذا عكس الأمر فقدم المعمول على العامل فإنما يكون ذلك لغرض بلاغي يقتضيه، وفي هذه الحالة يكون التقديم أبلغ من التأخير. وفيما يلي شيء من البيان لذلك.

[تقديم متعلقات الفعل عليه]

١ - فمن تقديم المفعول على الفعل قولك: «محمدا أكرمت» والأصل «أكرمت محمدا»، فإن في قولك بالتقديم «محمدا أكرمت» تخصيصا لمحمد بالكرم دون غيره، وذلك بخلاف قولك «أكرمت محمدا»، لأنك إذا قدمت الفعل كنت بالخيار في إيقاع الكرم على أي مفعول شئت، بأن تقول:

أكرمت خالدا أو عليا أو غيرهما. فتقديم المفعول على الفعل هنا قصد به اختصاصه به، أي اختصاص محمد دون غيره بالإكرام.

٢ - ومن تقديم الجار والمجرور على الفعل قوله تعالى: وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ،* فإن تقديم الجار والمجرور دل على أن مرجع الأمور ليس إلا لله وحده، على حين لو وردت الآية من غير تقديم وقيل: «ترجع الأمور إلى الله» لاحتمل إيقاع مرجع الأمور إلى غير الله وهذا محال.

٣ - ومن تقديم الحال على الفعل كقولك: «مبكرا خرجت إلى عملي»

<<  <   >  >>