للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفصل الأوّل بين البلاغة والفصاحة

[البلاغه]

البلاغة مأخوذة من قولهم: بلغت الغاية إذا انتهيت إليها وبلّغتها غيري، والمبالغة في الأمر: أن تبلغ فيه جهدك وتنتهي إلى غايته، وقد سميت البلاغة بلاغة لأنها تنهي المعنى إلى قلب سامعه فيفهمه. ويقال بلغ الرجل بلاغة، إذا صار بليغا، ورجل بليغ: حسن الكلام، يبلغ بعبارة لسانه كنه ما في قلبه (١)، ويقال أبلغت في الكلام إذا أتيت بالبلاغة فيه.

والبلاغة من صفة الكلام لا من صفة المتكلم، وتسميتنا المتكلم بأنه بليغ نوع من التوسع، وحقيقته أن كلامه بليغ، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، كما تقول: فلان رجل محكم وتعني أن أفعاله محكمة. قال الله تعالى: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فجعل البلاغة صفة الحكمة ولم يجعلها من صفة الحكيم، إلا أن كثرة الاستعمال جعلت تسمية المتكلم بأنه بليغ كالحقيقة، كما أن كثرة الاستعمال أيضا جعلت تسمية كلمة مثل المزادة (٢) راوية كالحقيقة،


(١) قد يعبر عن العقل بالقلب. قال تعالى: إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ.
(٢) المزادة: القربة التي يحمل فيها الماء.

<<  <   >  >>