والغرض من ذلك هو إفادة العموم مع العناية بشأن الخاص، نحو قوله تعالى: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ. فلفظ «لي ولوالدي» زائد في الآية لدخول معناه في عموم المؤمنين والمؤمنات، فهذان اللفظان «المؤمنين والمؤمنات» لفظان عامان يدخل في عمومهما من ذكر قبل ذلك، أي لِي وَلِوالِدَيَّ لإفادة العموم مع العناية بالخاص لذكره مرتين: مرة وحده ومرة مندرجا تحت العام.
...
[٤ - التكرير لداع]
والمراد به تكرير المعاني والألفاظ، وحدّه هو دلالة اللفظ على المعنى مردّدا. وقد سبقت الإشارة إلى رأي ابن الأثير في الفرق بينه وبين الإطناب والتطويل، ومتى يلحق بأيّ من هذين.
والتكرير المفيد يأتي في الكلام تأكيدا له وتشديدا من أمره، وإنما تفعل ذلك للدلالة على العناية بالشيء الذي كررت فيه كلامك إما مبالغة في مدحه أو ذمه أو غير ذلك.
ودواعي الإطناب بالتكرير كثيرة منها:
أ- تأكيد الإنذار: نحو قوله تعالى: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ فقوله: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ الأولى هي زجر وإنذار لهؤلاء الذين ألهاهم التكاثر في الدنيا عن العمل للآخرة. وفي تكرير قوله تعالى: كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ تأكيد لهذا الإنذار. وهذا هو المعنى الزائد الذي أفاده إطناب التكرير هنا.
ب- التحسر: كقول الحسين بن مطير يرثى معن بن زائدة:
فيا قبر معن أنت أول حفرة ... من الأرض خطت للسماحة موضعا
ويا قبر معن كيف واريت جوده ... وقد كان منه البر والبحر مترعا
فالغرض من تكرير «يا قبر معن» هو إظهار الأسى والتحسر على معن.