للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تخصيصا لحالة التبكير بالخروج دون غيرها من الحالات، وذلك بخلاف قولك: «خرجت إلى عملي مبكرا» لأنك في تقديمك الفعل تكون بالخيار في إيقاعه مقيدا بأي حالة شئت، بأن تقول: خرجت إلى عملي متأخرا أو مسرعا أو مسرورا أو غير ذلك. وكذلك يجري الأمر في بقية متعلقات الفعل.

...

وعلماء البلاغة ومنهم الزمخشري يرون أن تقديم متعلقات الفعل عليه على النحو السابق إنما هو للاختصاص.

ولكن ابن الأثير يرى أن تقديم متعلقات الفعل عليه يكون لواحد من غرضين: أحدهما الاختصاص، والآخر مراعاة

نظم الكلام، وذاك أن يكون نظمه لا يحسن إلا بالتقديم وإذا أخر المقدم زال ذلك الحسن، وهذا الوجه عنده أبلغ وأوكد من الاختصاص.

فمن الأول عنده وهو التقديم الذي يكون الغرض البلاغي منه «الاختصاص» قوله تعالى بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ. فإنه إنما قيل: بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ ولم يقل: «بل اعبد الله» لأن المفعول وهو لفظ الجلالة «الله» إذا تقدم وجب اختصاص العبادة به دون غيره. ولو قال: «بل اعبد» لجاز وقوع فعل العبادة على أي مفعول شاء.

ومن الثاني وهو التقديم الذي يكون الغرض البلاغي منه مراعاة نظم الكلام قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ويرى الزمخشري أن التقديم في هذا الموضوع قصد به الاختصاص، ولكن ابن الأثير يرى أن المفعول لم يقدم على الفعل للاختصاص وإنما قدم لمكان نظم الكلام، لأنه لو قال: «نعبدك ونستعينك» لم يكن له ما لقوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ. ألا ترى أنه تقدم قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، فجاء بعد ذلك قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وذلك لمراعاة حسن النظم السجعي الذي هو على حرف النون.

<<  <   >  >>