للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولو قال: «نعبدك ونستعينك» لذهبت تلك الطلاوة وزال ذلك الحسن، وهذا غير خاف على أحد من الناس فضلا عن أرباب علم البيان.

ومما ورد فيه التقديم مراعاة لنظم الكلام أيضا قوله تعالى: خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (١)، فإن تقديم الجحيم على التصلية وإن كان فيه تقديم المفعول على الفعل إلا أنه لم يكن ههنا للاختصاص، وإنما هو للفضلية السجعية.

ولا مراء في أن هذا النظم على هذه الصورة أحسن مما لو قيل:

«خذوه فغلوه ثم صلوه الجحيم».

ولهذا النوع من التقديم نظائر كثيرة في القرآن منها أيضا قوله تعالى:

وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ (٢) الْقَدِيمِ، فتقديم المفعول «القمر» على الفعل هنا ليس من باب الاختصاص، وإنما هو من باب مراعاة نظم الكلام، ولو أنه قال: «وقدرنا القمر منازل» لما كان بتلك الصورة في الحسن.

ومنه كذلك قوله تعالى: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ، فالغرض البلاغي من وراء تقديم مفعول كل من الفعلين السابقين عليه هو مراعاة حسن النظم السجعي.

...

وهناك نوع آخر من التقديم لا يرجع إلى تقديم أحد ركني الإسناد على الآخر، ولا إلى تقديم أحد متعلقات الفعل عليه، وإنما هو مختص بدرجة التقدم في الذكر لاختصاصه بما يوجب له ذلك. وهذا النوع من التقديم مما لا

يحصره حد ولا ينتهي إليه، وهو يتمثل في صور شتى منها:


(١) صلوه بفتح الصاد وتشديد اللام: أدخلوه فيها.
(٢) العرجون بضم العين: العود الغليظ المتصل بالنخلة وفي آخره عناقيد البلح، فإذا قطع منه شماريخ البلح يبقى منه جزء على النخلة أعوج يابسا، وهذا هو حال القمر في أول الشهر وآخره.

<<  <   >  >>