١ - تقديم السبب على المسبب: ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، فهنا قدمت العبادة على الاستعانة لأن تقديم القربة والوسيلة قبل طلب الحاجة أنجح لحصول الطلب، وأسرع لوقوع الإجابة.
ولو قال:«إياك نستعين وإياك نعبد» لكان جائزا، ألا أنه لا يسد ذلك المسد، ولا يقع ذلك الموقع.
وعلى نحو منه قوله تعالى: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً، لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً. فقدم حياة الأرض وإسقاء الأنعام على إسقاء الناس وإن كانوا أشرف محلا، لأن حياة الأرض هي سبب لحياة الأنعام والناس. فلما كانت بهذه المثابة جعلت مقدمة في الذكر، ولما كانت الأنعام من أسباب التعيش والحياة للناس قدمها في الذكر على الناس، لأن حياة الناس بحياة أرضهم وأنعامهم، فقدم سقي ما هو سبب نمائهم ومعاشهم على سقيهم.
٢ - تقديم الأكثر على الأقل: كقوله تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا، فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ، وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ، وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ.
وإنما قدم الظالم لنفسه للإيذان بكثرته وأن معظم الخلق عليه، ثم أتى بعده بالمقتصدين، لأنهم قليل بالإضافة إليه، ثم أتى بالسابقين وهم أقل من القليل، أعني من المقتصدين.
وهكذا قدم الأكثر وبعده الأوسط ثم ذكر الأقل آخرا، ولو عكست القضية لكان المعنى أيضا واقعا في موقعه، لأنه يكون قد روعي فيه تقديم الأفضل فالأفضل.
وضابط هذا النوع هو أنه إذا كان الشيئان كل واحد منهما مختص بصفة فأنت بالخيار في تقديم أيهما شئت في الذكر كهذه الآية، فإن السابق بالخيرات مختص بصفة الفضل، والظالم لنفسه مختص بصفة الكثرة. فعلى هذا يقاس ما يأتي من الأشباه والنظائر.