وما أنا أسقمت جسمي به ... ولا أنا أضرمت في القلب نارا
فسقم الجسم بالحب وإضرام النار في القلب كلاهما ثابت موجود، ولكن قصرهما وتخصيصهما بالمسند إليه المتقدم «أنا» قصد به نفي كون المتكلم هو السبب في سقم جسمه وإضرام النار في قلبه، وإثبات السبب لغيره كالحبيب مثلا.
وكما يتقدم المسند إليه لقصره على المسند الفعل لا يتجاوزه إلى غيره وإن كان الفعل يتعداه إلى غيره، كذلك قد يتقدم المسند ويتأخر المسند إليه، بقصد قصره عليه، نحو قوله تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ،* فملك السموات والأرض مختص بكونه لله، أي مقصور عليه ومنحصر فيه.
ومن هذا القبيل قوله تعالى في خمر أهل الجنة: لا فِيها غَوْلٌ، فالغول مقصور على اتصافه بعدم حصوله في خمر الجنة ولكنه يوجد في خمور الدنيا. فتقديم المسند «فيها» يقتضي تفضيل المنفي عنه وهو خمر الجنة على غيرها من خمور الدنيا، أي ليس فيها ما في غيرها من الغول الذي يغتال العقول ويسبب دوار الرأس وثقل الأعضاء.
٧ - التنبيه على أن المتقدم خبر لا نعت: وذلك خاص بتقديم الخبر المسند على المبتدأ المسند إليه، نحو قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ،* فالشاهد هنا هو في قوله:«ولكم مستقر» فلو قال «ومستقر لكم» لتوهم ابتداء أن «لكم» نعت وأن خبر المبتدأ سيذكر فيما بعد، وذلك لأن حاجة النكرة إلى النعت أشد من حاجتها إلى الخبر. ولذلك تعين تقديم المسند للتنبيه على أنه خبر لا نعت.
ومن أمثلته شعرا قول المتنبي.
و «فيك» إذا جنى الجاني «أناة» ... تظن كرامة وهي احتقار