لقد سارت دراسة البلاغة قبل السكاكي على منهاج من عدم الفصل بين فنونها، لما في ذلك من خدمة الأدب وإمداده بأسباب القوة والجمال والوضوح. وكان لهذا المنهاج أثره وقيمته في إيقاظ المواهب وإرهاف الملكات الفنية لصناعة الأدب، وإقدار أصحابها على التذوق الأدبي والتمييز بين جيد الكلام ورديئه.
ذلك كان مسار الدراسات البلاغية قبل السكاكي: تنبيه إلى مواطن الحسن والجمال من الكلام، وشحذ لملكات صنّاعه الفنية، ومحاولات للكشف عن العناصر الجمالية في البيان العربي، وتربية لملكة الذوق، وتمكين كل ذي موهبة أدبية من أن يقرأ ويفهم، ويستحسن ويستقبح، ويوازن ويفضل، أو بعبارة أخرى من أن ينقد العمل الأدبي ويحكم عليه.
في هذا المنهاج لم تكن محاولة الاهتداء إلى العناصر الجمالية في البيان العربي غاية في حد ذاتها بمقدار ما كانت وسيلة لشحذ الملكات، وتنمية الذوق، وإرهاف الحس، وتكوين البلغاء والنقاد.
وعلى العكس من ذلك كان منهاج السكاكي في دراسة البلاغة، فقد أصّل منهاجه فيها على أسس منطقية حولت البلاغة من فن إلى علم له قواعده ونظرياته التي إن نجحت في تكوين طبقات من البلاغيين فقد فشلت في تكوين البلغاء.
ومن هنا كانت خطورة منهاج السكاكي الذي يعد في تاريخ البلاغة بداية طور الجمود في دراستها. لقد خيل إليه أنه بمنهاجه المنظم المقنن يصلح من شأن البلاغة فإذا به من حيث لا يدري يفسدها ويسيء إليها.
وشهرة السكاكي في البلاغة مصدرها القسم الثالث من كتابه «مفتاح العلوم»، فقد أفرد هذا القسم من كتابه للكلام عن علمي المعاني والبيان ولواحقهما من البلاغة والفصاحة والمحسنات البديعية بنوعيها اللفظي والمعنوي.
فمن خلال مجهودات البلاغيين من قبله وبخاصة عبد القاهر