للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكانت في حياتك لي عظات ... وأنت اليوم أوعظ منك حيا

فكلا الشاعرين هنا لا يقصد أيّا من المعنيين اللذين يدل عليهما الخبر بأصل وضعه، وإنما يقصد إلى معنى آخر يستشفه اللبيب ويلمحه من سياق الكلام، هو في بيت أبي فراس الفخر بمكارمه الكثيرة وكرمه، وهو في بيتي أبي العتاهية إظهار التحسر والأسى على فقد ولده وفلذة كبده.

وكذلك الشأن بالنسبة لأساليب الأمر والنهي والاستفهام والتمني والنداء، فقد يخرج كل منها عن معناه الأصلي لغرض بلاغي بديع، أراده المتكلم من الخروج عما يقتضيه ظاهر الكلام، كالخروج بالأمر عن أصل وضعه مثلا لإفادة التعجيز، وبالنهي لإفادة الدعاء، وبالاستفهام لإفادة التعجب.

وليس من غرضنا هنا التعرض بالشرح لكل أساليب المعاني وتوضيح المعنى أو المعاني التي تستفاد من كل منها ضمنا بمعونة القرائن، وإنما أوردنا ما أوردنا منها على سبيل المثال لا الحصر.

ولعل فيما أوردناه كفاية لبيان ما لعلم المعاني من أثر في بلاغة الكلام، وإقناعا لكل راغب بقيمة دراسة أساليب علم المعاني المختلفة والإفادة منها في الارتفاع بأسلوب إنشائه من ناحية، وفي الحكم على جيد الكلام ورديئه من ناحية أخرى.

...

والآن نشرع في دراسة مباحث علم المعاني دراسة تفصيلية، ونبدأ أول ما نبدأ بالكلام بين الخبر والإنشاء.

***

<<  <   >  >>