فحلت عنه امرأة سعد قيوده، وحمل على فرس كان في الدار، وأعطي سلاحا، ثم خرج يركض حتى لحق بالقوم، فجعل لا يزال يحمل على رجل فيقتله ويدق صلبه، فنظر إليه سعد فجعل يعجب ويقول: من ذا الفارس؟ فلم يلبثوا إلّا يسيرا حتى هزمهم الله، فرجع أبو محجن وردّ السلاح وجعل رجليه في القيود كما كان. فجاء سعد فقالت له امرأته، أو أم ولده: كيف كان قتالكم؟ فجعل يخبرها ويقول لقينا ولقينا حتى بعث الله رجلا على فرس أبلق لولا إني تركت أبا محجن في القيود لظننت أنها بعض شمائل أبى محجن. فقالت: والله إنه لأبو محجن، كان من أمره كذا وكذا، وقصت عليه قصته. فدعى به فحل قيوده وقال: لا نجلدك على الخمر أبدا. قال أبو محجن: وأنا والله لا يدخل لي رأسا أبدا، كنت آنف أن أدعها من أجل جلدكم فلم يشربها بعد ذلك.
وقال سعيد بن منصور في سننه: ثنا أبو معاوية، ثنا عمرو بن مهاجر، عن إبراهيم ابن محمد بن سعد عن أبيه قال: أتى سعد بأبي محجن يوم القادسية وقد شرب الخمر، فأمر به إلى القيد، فلما التقى الناس قال: كفى حزنا البيت ... ثم قال لامرأة سعد:
أطلقيني ولك عليّ إن سلمني الله أن أرجع حتى أضع رجلي في القيد، وإن قتلت استرحتم مني. فأطلقته فوثب على فرس لسعد يقال لها البلقاء، ثم أخذ رمحا ثم خرج فجعل لا يحمل على ناحية من العدوّ إلا هزمهم، وجعل الناس يقولون هذا ملك لما يرونه يصنع، وجعل سعد يقول: الصبر صبر البلقاء، والطعن طعن أبى محجن، وأبو محجن في القيد، فلما هزم العدو رجع أبو محجن حتى وضع رجله في القيد، فأخبرت زوجة سعد سعدا بما كان من أمره فقال سعد: والله لا أضرب اليوم رجلا أبلى الله المسلمين على يديه ما أبلاهم، فخلى سبيله. فقال أبو محجن: قد كنت أشربها إذ يقام عليّ الحدّ وأطهر منها، فأما الآن فلا والله لا أشربها أبدا.
وفي الاستيعاب لابن عبد البر: دخل ابن لأبي محجن على معاوية فقال له معاوية:
أبوك الذي يقول: إذا مت فادفني .. البيتين. فقال: لو شئت ذكرت أحسن من هذا! قال: وما ذاك؟ قال قوله:
لا تسألي النّاس عن مالي وكثرته ... وسائلي النّاس عن حزمي وعن خلقي