للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دفعت بك الجليل وأنت حيّ ... فمن ذا يدفع الخطب الجليلا

إذا قبح البكاء على قتيل ... رأيت بكاءك الحسن الجميلا

وفي الأغاني عن عبد الرحمن بن أبي الزناد (١): أن الخنساء سوّمت (٢) هودجها براية في الموسم، وعاظمت العرب بمصيبتها، بابنها عمرو وبأخويها صخر ومعاوية، وجعلت تشهد الموسم وتبكيهم، وأن العرب قد عرفت لها بعض ذلك، وأن هند ابنة عتبة لما قتل ببدر أبوها وعمها شيبة وأخوها الوليد فعلت كذلك وقالت: أقرنوا جملي بجمل الخنساء. فصارا يبكيان ويتناشدان.

ورأيت في مناقب الشبان، قال روي الأصمعي (٣): ان النابغة كان تضرب له قبّة بسوق عكاظ فتأتيه الشعراء فتعرض أشعارها عليه، فأتاه الأعشى فأنشده، ثم أتاه حسان فأنشده:

لنا الجفنات الغرّ يلمعن بالضّحى ... وأسيافنا يقطرن من نجدة دما

ولدنا بني العنقاء وابني محرّق ... فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما

فقال له النابغة: لولا أن أبا بصير، يعني الأعشى، أنشدني لقلت أنك أشعر الجن والأنس، فقال حسان: أنا والله أشعر منك ومن أبيك ومنها؟ فقال له النابغة:

يا بني، إنك لا تحسن أن تقول (٤):

فإنّك كاللّيل الّذي هو مدركي ... وإن خلت أنّ المنتأى عنك واسع

قال: ويروى أن النابغة قال له: أقللت أسيافك ولمعت جفانك، يريد قوله:

الغر. والغرّة: البياض في الجبهة، ولو قال البيض، فجعلها بيضا كان أحسن،


(١) الاغاني ٤/ ٢١٣ - ٢١٤ (الثقافة)، والشعراء ٣٠٥.
(٢) سوّم الشيء: جعل له سومة وعلامة ليعرف بها ويتميز.
(٣) انظر الاغاني ٩/ ٣٣٣ - ٣٣٤ و ١١/ ٦ - ٧، والشعراء ٣٠٢ - ٣٠٣
(٤) الكامل ٧٤١، وفيه: (من أعجب التشبيه قول النابغة: ...).

<<  <  ج: ص:  >  >>