فبيّت هدبة زيادة فقتله، فرفع إلى سعيد بن العاصي، وكان أمير المدينة، رفعه عبد الرحمن، أخو زيادة، فكره سعيد الحكم بينهما فأرسلهما إلى معاوية، فلما صارا بين يديه، قال عبد الرحمن: يا أمير المؤمنين، أشكو إليك مظلمتي وقتل أخي! فقال معاوية: يا هدبة، قل. قال: إن شئت أن أقصّ عليك كلاما أو شعرا؟
قال: لا بل شعر. فقال ارتجالا:
ألا يا لقومي للنّوائب والدّهر ... وللمرء يردي نفسه وهو لا يدري
وللأرض كم من صالح قد تلمّأت ... عليه فوارته بلمّاعة قفر
فلا ذا جلال هبنه لجلاله ... ولا ذا ضياع هنّ يتركن للفقر
الى أن قال:
فلمّا رأيت أنّما هي ضربة ... من السّيف أو إغضاء عين على وتر
عمدت لأمر لا يعيّر والدي ... خرايته ولا يسبّ به قبري
رمينا فرامينا فصادف سهمنا ... منيّة نفس في كتاب وفي قدر
وأنت أمير المؤمنين فما لنا ... وراءك من معد ولا عنك من قصر
فإن تك في أموالنا لا نضق بها ... ذراعا وإن صبر فنصبر للصّبر
فقال له معاوية: أراك قد أقررت يا هدبة! فقال له عبد الرحمن: أقدني، فكره ذلك معاوية وضنّ بهدبة عن القتل، فقال: ألزيادة ولد؟ قال: نعم. قال:
أصغير أم كبير؟ قال: بل صغير. قال: يحبس هدبة إلى أن يبلغ ابن زيادة. فارسله إلى المدينة فحبس بها سبع سنين، وقيل ثلاث سنين، فلما بلغ ابن زيادة عرض عليه عشر ديات فأبى إلّا القود، وكان ممن عرض عليه الديات: الحسين (١) بن علي