أخرج المعافيّ بن زكريا، وابن عساكر في تاريخه، بسند متصل عن ابن لأعرابي قال (١): بلغني أنه كان رجل من بني حنيفة يقال له جحدر بن مالك، فتاكا شجاعا، قد أغار على أهل حجر وناحيتها، فبلغ ذلك الحجاج بن يوسف، فكتب إلى عامله باليمامة يوبخه بتلاعب جحدر به ويأمره بالاجتهاد في طلبه. فلما وصل اليه الكتاب أرسل إلى فتية من بني يربوع، فجعل لهم جعلا عظيما إن هم قتلوا جحدرا أو أتوا به أسيرا. فانطلقوا حتى اذا كانوا قريبا منه أرسلوا اليه أنهم يريدون الانقطاع اليه والتحرز به، فاطمأن اليهم ووثق بهم، فلما أصابوا منه غرة شدوه كتافا، وقدموا به على العامل، فوجه به معهم الى الحجاج. فلما أدخل على الحجاج قال له:
من أنت؟ قال: أنا جحدر بن مالك. قال: ما حملك على ما كان منك؟ قال:
جراءة الجنان، وجفاء السلطان، وكلب الزمان. قال: وما الذي جرى منك، فجرأ جنانك؟ قال: لو بلاني الأمير، أكرمه الله، لوجدني من صالحي الأعوان، وبهم الفرسان. ولوجدني من أنصح رعيته. وذلك أني ما لقيت فارسا قط إلا وكنت عليه في نفسي مقتدرا. قال له الحجاج: إنا قاذفون بك في حائر، فيه أسد عاقر ضار، فإن هو قتلك كفانا مؤنتك، وإن أنت قتلته خلينا سبيلك. قال: أصلح الله الأمير، عظمت المنة وقويت المحنة. قال الحجاج: فإنّا لسنا بتاركيك تقاتله إلا وأنت مكبل بالحديد. فأمر به الحجاج فغلت يمينه الى عنقه وأرسل به إلى السجن، فقال جحدر لبعض من يخرج إلى اليمن: تحمل عني شعرا؟ وأنشأ يقول:
تأوّبني فبتّ لها كنيعا ... هموم لا تفارقني حواني
هي العوّاد لا عوّاد قومي ... أطلن عيادتي في ذا المكان
إذا ما قلت قد أجلين عنّي ... ثنى ريعانهنّ عليّ ثاني
(١) ابن عساكر ٣/ ٦٣ وانظر البلدان (حجر) والخزانة ٤/ ٤٨٣ والامالي ١/ ٢٨١ - ٢٨٢ والبلوىّ ٢/ ٥٠١ مع تقديم وتأخير في رواية أبيات القصيدة.