طاعته، وكان في إيثاره أعجبَ منه في صبره وفي طاعته. ألّفَ بين الجنود الترابطُ والمحبة والإيثار، ولا ينفع اجتماع الأجسام -أيها السادة- إذا لم تجتمع القلوب والنفوس. أذكر لكم حادثة واحدة من معركة اليرموك: ذهبوا بعد المعركة يفتّشون عن الجرحى، فوجدوا جريحاً يُحتضَر يطلب جرعة ماء، هي أثمن عنده من خزائن الأرض للإنسان الصحيح. فجاؤوه بها، فرأى زميلاً له جريحاً مثله يريد أن يشرب، فأبعدها عن فمه وقدّمها إليه، ورأى الثاني ثالثاً يطلب الماء فآثره على نفسه، فذهبوا إليه بالماء فمات قبل أن يصل إليه الماء، فعادوا إلى الثاني ثم إلى الأول فوجدوهما قد ماتا عَطِشين.
هذا الإيثار العجيب لا تلقونه إلا في جيوش أسلافكم. والأمانة؟ تعلمون أن العرب كانوا يعيشون في فقر وفاقة، وعندما غنموا جواهر تاج كسرى (التي كانت أغنى وأثمن من التاج البريطاني) لم يمدَّ جندي واحد يدَه إلى جوهرة فيها قد تغنيه إلى أحفاد أحفاده، وعندما جاءت الكنوز إلى عمر بن الخطاب ونظر إليها قال: إن قوماً أدّوا هذا لأمناء.
وكان عند قتيبة بن مسلم رجل أمين يجمع الغنائم ويقسمها اسمه ابن وَال، قال له أحد القادة: سأرسل إليك رسولاً ليأخذ حصة جندي من الغنائم لأوزعها عليهم. وانتظره ابن وأل فتأخر، ثم مرّ جندي فظنه هو الرسول، فدفعها إليه وقال له: خذها. فأخذها ومضى.
وفي اليوم الثاني جاء القائد يطلبها، فقال له ابن وأل: سلمتها