الصف ليستقبله الناس هرب من خلفهم وتوارى عن الأنظار، فتبعه أحد الجند وما زال به حتى عرفه. أفتدرون من كان ذلك الرجل؟ إنه الإمام العالم المحدّث صاحب أبي حنيفة، عبد الله بن المبارك، الذي كان يحجّ سنة ويغزو سنة؛ ذلك أن علماء المسلمين كانوا يتطوعون ويسابقون الجنود إلى الجهاد في سبيل الله.
* * *
كذلك كان جنود الفتح الإسلامي، فكيف كان قادته؟
كانت القيادة العليا غالباً في يد الخليفة. وهذا عمر بن الخطاب كان يدير ثلاثَ جبهات، واحدة في الشام والثانية في العراق والثالثة في مصر، يديرها وهو في قلب المدينة، ليس أمامه هاتف (تلفون) ولا أي وسيلة من وسائل الاتصال التي نعرفها اليوم لتوصل الأخبار، وكان يقف على تفاصيل المعارك وأماكنها، فيكتب إلى قائده: اصعد إلى الجبل الفلاني، أو يقول له: استدر من هنا وهاجم من هناك! (١)
وكان الحَجّاج يقول لقوّاده: صِفوا لي مكان المعركة، فيرسلون إليه وصف المكان تفصيلاً، فكان يضع الخطة ويترك للقائد أن يتصرف بها. ويوم القادسية كان قائد جيش الفرس رستم، وكان عسكرياً مثقفاً درس الفن العسكري في زمانه ودخل معارك كثيرة، وأراد عمر قائداً من العرب يقف في وجهه، فنادى سعد بن أبي وقّاص وقال له: اذهب لمواجهة رستم!
(١) وفي كتابي «أخبار عمر» تفصيل واسع لهذا الإجمال.