ومن عبقريات خالد هذه الرحلة التي انتقل فيها من العراق إلى الشام لنجدة الجيوش المحاربة التي وجّهها عمر لفتح الشام. لقد تقدم خالد بحركة أجرؤ أن أقول -رغم جهلي بالعسكرية- أنها أعظم حركة في التاريخ العسكري. كان من الطبيعي أن يأتي من شمال العراق عن طريق الموصل إلى الجزيرة إلى حلب وينزل جنوباً، وكان هذا هو الطريق المأمون المعروف وفيه الماء والزاد، إلا أنه طريق يمتلئ بالمخافر الرومانية التي يمكن أن يشتبك معها بمعارك جانبية تصرفه عن المهمة الكبرى التي جاء من أجلها. فأقدم على عمل في غاية الجرأة: اخترق بادية الشام وعبَرَ الصحراء، أرضاً قَفْراً لا نبتَ فيها ولا ماء، بعد أن عطّش الإبل فشربت أضعاف ما كانت تشرب، فكانوا إذا احتاجوا الماء نحروها فاستخرجوه من أجوافها.
مثل هذه الحركة قرأتها في حرب قرطاجنّة مع الروم بقيادة هانيبعل، إذ جاء الرومان من فوق جبال الألب، وهو طريق لم يتوقعوا أن يأتيهم منه فجاءهم من خلفهم، وأعاد القصة نفسها نابليون بعد ألفَي سنة.
وعندما وصل خالد بن الوليد إلى الشام وجد جيشين للروم، أحدهما يتجمع جنوباً في فلسطين والآخر في الشمال، ففكر: هل يضرب الجيش الجنوبي أم يبدأ بالجيش الرئيسي في الشمال؟ خشي إن بدأ بالجيش الشمالي وانهزم أن يقطع عليه الجيش الجنوبي طريق الرجعة فيتمزق الجيش، وخشي إن هاجم الجيش الجنوبي أن ينشغل به أو يُهزَم فيخسر المعركة الأساسية. ثم اختار