التأويل عن أبي حنيفة نظر. والظاهر أن عمدته حديث ابن مسعود المتقدم، وكونه لم ير رسول الله --صلى الله عليه وسلم-- صلى صلاةً لغير وقتها إلا صلاة الفجر والمغرب بالمزدلفة، مع ملازمته لرسول الله --صلى الله عليه وسلم-- دليل على عدم الجمع في غير ما ذكر. وهذا استدلال ضعيف؛ لأن ابن مسعود رضي الله عنه قد رآه صلى العصر بعرفة قبل وقتها، وإنما مراده -والله أعلم- الصلاة بالمزدلفة لا مطلقًا؛ لأنه هو رضي الله عنه قال: إن رسول الله --صلى الله عليه وسلم-- قال بعد أن صلى الفجر بالمزدلفة:"إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان: المغرب فلا يقدم الناس جمعًا حتى يعتموا، وصلاة الفجر هذه الساعة" رواه البخاري.
وفي الصحيح: ما يرد تأويل من تأول بأنه جمع في الفعل، بمعنى أنه آخر الظهر إلى آخر وقتها، وقدم العصر إلى أول وقتها، وصلاهما جميعًا، لكن كل واحدة في وقتها. وكذلك المغرب والعشاء. ففي حديث أنس أن النبي --صلى الله عليه وسلم--: "كان إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فصلاهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد أن تزيغ الشمس صلى الظهر ثم ركب"، وفي لفظ في الصحيح:"كان النبي --صلى الله عليه وسلم--، إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر أخر الظهر حتى يدخل [أول] وقت العصر ثم يجمع بينهما"، وفي لفظ في الصحيح أيضًا: "أن ابن عمر كان إذا جد به السير جمع بين المغرب