للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: وهذا هو الذي اعتمده مسلم في صحيحه، وشنع في خطبته على من يشترط مع المعاصرة اللقي، حتى قيل إنه يريد البخاري، والظاهر أنه يريد علي ابن المديني، فإنه يشترط ذلك في أصل صحة الحديث، وأما البخاري فإنه لا يشترطه في أصل الصحة، ولكن التزم ذلك في كتابه الصحيح، وقد اشترط أبو المظفر السمعاني مع اللقاء طول الصحابة، وقال أبو عمرو الداني: إن كان معروفا بالرواية عنه قبلت العنعنة، وقال القابسي: إن أدركه إدراكا بيِّنا.

هذا الكلام عن المعنعن فيه عدد من الأمور:

أولها: أن ابن كثير -رحمه الله- اختصر كلام ابن الصلاح اختصارا شديدا، وأبين هذا الآن: النقطة الأولى في موضوع المعنعن هو ما ذكره ابن الصلاح: أن بعض المحدثين في عصر الرواية يقول: لا نقبل صيغة "عن"، فلا بد أن يكون الإسناد كله مصرحا فيه بأي شيء؟ بالتحديث، وينسبون هذا القول -والله أعلم- نسبه ابن عبد البر إلى شعبة في أول أمره، ثم ذكر أن شعبة رجع عنه إلى قول سفيان الثوري، وينسبون هذا إلى شخص اسمه حسين الكرابيسي.

فالمقصود أن بعض المحدثين -ومنهم من ذكرت- يقولون: لا نقبل أن يكون الإسناد فيه "عن"، ثم ذكر ابن الصلاح الصحيح الذي عليه العمل، وقال: إنه الصحيح الذي عليه العمل قبول الإسناد المعنعن، ونحن نعرف الآن إذا قرأت في كتب السنة أيها أكثر الأسانيد؟ المعنعنة أو المصرح فيها بالتحديث؟ المعنعنة، إذن ذاك الخلاف -إن كان خلافا صحيحا- انقرض، ومنهم من يقول: إن ذاك الخلاف أصلا وقع بعد إجماع فلا يعتد به.

ومنهم من يقول: وقع الإجماع متى؟ بعده، فانتهى الخلاف، إذن هناك إجماع من المحدثين، سواء قبل الاختلاف الذي ينسب إلى شعبة، أو الخلاف الذي ينسب إلى شعبة، أو ينسب إلى الكرابيسي أو غيرهما، منقول عن بعض المحدثين هو إجماع -إما قبل هذا الخلاف وإما بعده- على قبول الإسناد المعنعن، ولا إشكال في ذلك، انتهت هذه المسألة.

<<  <   >  >>