فإذا كان مثل هذا الحديث مثلا- يرويه مالك عن نافع عن ابن عمر، ويرويه أيوب عن نافع عن ابن عمر، ويرويه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر، ويرويه مع نافع سالم، ويرويه مع سالم -أيضا- عبد الله بن دينار، ويرويه مع عبد الله بن عمر -مثلا- جابر وعائشة.
ومثل هذا الحديث -بغض النظر عن قضية التواتر عند الأصوليين وتواتر الطبقات..الخ- فمثل هذا الحديث عند المحدثين لا يرتابون أبدا في صحته، فهذا هو معنى كلام ابن الصلاح: أنه مقطوع بصحته.
لأن المحدثين تلقوا هذين الكتابين بالقبول، وهذا كلام صحيح، النووي -رحمه الله- اعترض ومشى على مذهب الأصوليين: أن السنة, أو أن الأخبار -بغض النظر عن السنة- تنقسم عندهم إلى قسمين: متواتر، وآحاد.
فهو يقول: كل أحاديث الآحاد -ما في الصحيحين, أو غيرهما- منزلتها واحدة, وهي أنها تفيد الظن، ولكن هذا الكلام نحى فيه منحى المتكلمين, أو أهل الأصول.
مع أن ابن تيمية -رحمه الله- على أن الأمة إذا تلقته بالقبول -يعني إذن ليس هو لهم جميعا-؛ فالمقصود من هذا الكلام كله: أن جمهور أحاديث الصحيحين - بحمد الله تعالى- مما تلقته الأمة بالقبول, ومما هو مقطوع بصحته.
ويبقى ما انتقد، فيه مجال للاختلاف, ولكن ليس مراد ابن الصلاح: أن الصواب مع منتقد الكتابين, وإنما مراده: أنها نزلت هذه الأحاديث عن القطع بصحتها.
[النوع الثاني: الحديث الحسن]
تعريف الحديث الحسن
النوع الثاني: الحسن، وهو في الاحتجاج به كالصحيح عند الجمهور، وهذا النوع لما كان وسطا بين الصحيح والضعيف في نظر الناظر -لا في نفس الأمر-؛ عسر التعبير عنه وضبطه في كثير من أهل هذه الصناعة؛ وذلك لأنه أمر نسبي, شيء ينقدح عند الحافظ ربما تقصر عبارته عنه.
وقد تجشم كثير منهم حده، فقال الخطابي: "هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله، قال: وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء, ويستعمله عامة الفقهاء".