قلت: فإن كان المعرف هو قوله: "ما عرف مخرجه واشتهر رجاله"، والحديث الصحيح كذلك، بل والضعيف، وإن كانت بقية الكلام من تمام الحد؛ فليس هذا الذي ذكره مسلما له: أن أكثر الحديث من قبيل الحسن, ولا هو الذي يقبله أكثر العلماء, ويستعمله عامة الفقهاء.
دخل ابن كثير -رحمه الله- في موضوع طويل، وهو "موضوع الحسن"، وتكلم على عدد من النقاط نأخذها بسرعة:
أولها: قضية الاحتجاج بالحسن عند العلماء -رحمهم الله تعالى-, يعني إذا قيل: الحسن الذي هو الحسن لذاته -كما عرف في الاصطلاح فيما بعد هذا عند العلماء رحمهم الله تعالى- جزء منه, أو ملحق بالحديث الصحيح.
وقد مر بنا أن الحديث عند الأئمة المتقدمين -في غالب كلامهم - ينقسم إلى قسمين فقط: وهما الصحيح والضعيف.
فالحسن عندهم مندرج -يعني في أعلى مراحله العليا- مندرج تحت الصحيح؛ ولهذا فهناك أحاديث حتى في " صحيح البخاري ", وفي " صحيح مسلم " إذا طبقنا عليها التعريف الآتي للحديث الحسن؛ يمكن أن توصف بأنها حسنة.
فإذن هو في الاحتجاج به يعني كالصحيح، بل يقول الذهبي -رحمه الله- , وغيره كذلك, يقولون:"إن الحسن هو في رتبة أنك إذا أخذت الحديث الصحيح, وجعلته على مراتب, لا تزال تنزل حتى تصل إلى أن بعض مراتبه هو الحديث الحسن".
هذه مسألة الاحتجاج، نعم: بعض ما يوصف بأنه حسن قد يكون في الاحتجاج باختلاف، يعني: وهو الذي في أدنى درجات الحسن، لكن هذه مسألة لها ذيول نتركها الآن.
المقصود: وهو " قضية الاحتجاج بالحديث الحسن" ذكر عن الجمهور: ولا ينسبون عن أحد معين أنه لا يحتج بالحديث الحسن، وإنما يذكرون كلمات لأبي حاتم وغيره، يقولون: إنه تشدد فيها؛ فربما وصف راويا بأن حديثه حسن، ثم يقال له: يحتج به؟ فلا يجيب بنعم؛ ففهموا بهذا أن أبا حاتم -مثلا- لا يحتج بأي شيء؟ بالحديث الحسن، وهذا عليه اعتراض.